العدد: ١٦٣
تمّ النشر في 26 يونيو/حزيران ٢٠١٩
آنّ ألكسندر
“نلتقي عند الرابعة بعد الظهر: بتوقيت الثورة”. هذه الجملة التي ظهرت على صفحة الفيسبوك لتجمّع المهنيين السودانيين داعية إلى مظاهرات حاشدة في 12 إبريل/نيسان، قد لا تعني الكثير لأولئك الذين يريدون تقليص دور الحركة الجماهيرية لتكون مجرد ملاحظة هامشية في سلسلة أخرى متعاقبة وكئيبة من الانقلابات العسكرية. ١ ولكن بالنسبة للذين يتنفّسون ما تُسمّيه روزا لوكسمبورغ “هواء الثورة المُتَوقِّد”، تعبّر هذه الجملة عن شيء عميق. ٢ يفهمون أن “توقيت الثورة” مختلف عن أي توقيت آخر.
إن “توقيت الثورة” هو شيء استعاده من التاريخ مئات الآلاف في قلب الانتفاضات في الجزائر والسودان. من منظور معيّن واحد، هو وقت سريع بشكل مبهج؛ تكبر فيه الحركات كالنار في الهشيم، ويغيّر الناس أفكارهم بين ليلة وضُحاها، وتضمحّل الثوابت القديمة. ما استغرق في الماضي سنوات من الكفاح كي يتحقّق، يمكن إنجازه في غضون أسابيع أو أيام أو حتى ساعات. تطلّب الأمر أربعة أشهر من المظاهرات لخلع عُمر البشير من منصب الرئاسة الذي شَغَلَه مدة 30 عاماً. وقد صمَد وزير دفاعه، أحمد عوض بن عوف، 30 ساعة فقط على رأس السلطة العسكرية الانتقالية في وجه المظاهرات الحاشدة المُطالِبَة بتسليم السلطة إلى حكومة مدنية.
مع ذلك، يمكن لحجم هذه العمليات الإيحاء بأن “توقيت الثورة” بطيء. وتَبيَّن أن “نهاية” الديكتاتور ما هي إلا بداية لنضال أكبر بكثير، إذ تستمر عملية تحدّي وإزالة الذين يمارسون السلطة بالنيابة عنه من مناصبهم. ومن يدري كم سيطول “توقيت الثورة”؟ استمرت دورة الثورة والثورة المضادة في مصر بين 2011 و2013 ما يزيد قليلاً على عامين فقط. ويمكن للقوة الجماعية لملايين الناس الذين تأتيهم فجأة صحوة الوعي السياسي أن تُلقي الحُكّام الموجودين في أزمة عميقة. مع ذلك، سيسعى هؤلاء الحُكّام دائماً إلى قلب الموازين إلى الوراء لاستعادة قدرتهم على الحُكم بأية وسائل متاحة لديهم. وبالتالي لو دقّقنا جيداً، يكون “توقيت الثورة” دائماً وقتاً مُستعاراً.
هكذا يطرح السؤال نفسه: إذا كان الوقت قصيراً، ماذا يمكن أن يفعل الثوّار لتحقيق أقصى استفادة منه؟
تقترح هذه المقالة ثلاثة مجالات في التحليل وثلاثة أسئلة استراتيجية يكون فيها للتراث الثوري الاشتراكي إسهامٌ مميّز يقوم به. المجال الأول حيث يمكننا نشر مصادر التراث الماركسي لنفهم بشكل أفضل الحركات الجماهيرية التي اندلعت في السودان والجزائر هو كشف العلاقة بين الوجهين “الاقتصادي” و”السياسي” للصراعات التي تهزّ المجتمَعَيْن في الصميم. ثانياً، نحتاج مع ذلك إلى كشف الغطاء عن جذور هذه العملية في الأشكال المحدَّدة من خاصّيات النمو الاقتصادي غير المتكافئ والمُدمَج في المجتمَعَيْن، والبناء على النموذج النظري المُقترَح من قِبَل ليون تروتسكي لتنمية روسيا في بدايات القرن العشرين. ثالثاً، سنفحص سؤال الدولة بالاعتماد على عمل التراث الماركسي الكلاسيكي بما فيه منشور لينين “الدولة والثورة: تعاليم الماركسية حول الدولة ومهمات البروليتاريا في الثورة“.
ويقودنا ذلك إلى الاستراتيجية الثورية. متى يكون من الضروري المحاربة لتغيير النظام بشكل جزئي؟ ومتى يصبح إنجاز الإصلاحات وسيلة يتمّ عبرها احتواء العملية الثورية وإجهاضها؟ تنشغل مجموعة ثانية من الأسئلة بتطوير أنساق التنظيم الديمقراطي من الأسفل، والذي يمكن أن يوجّه الطريق صوب أشكال حكومة بديلة وحتى باتجاه شكل مختلف للمجتمع. القضية الأخيرة التي تُبحَث هنا مرتبطة بالوعي الذاتي للتنظيم الثوري الاشتراكي، ولماذا أعتقد أن الدروس المُستقاة من موجة الانتفاضات في 2010-2011 تشير إلى الحاجة، ليس فقط لأشكال عريضة من التنظيم، بل أيضاً إلى القوة “الضيّقة” المُركَّزة لحزب ثوري قادر على توفير قيادة خلال الكفاح بهدف كسر الدولة القائمة وفتح الاحتمالات أمام ثورة اجتماعية من الأسفل.
“الفعل المتبادل”: من الاقتصادي إلى السياسي والعودة مرة أخرى
بدأت الانتفاضة السودانية من ولاية الدمازين في ديسمبر/كانون الأول 2018 مع مظاهرات بسبب زيادة سعر الخبز ثلاثة أضعاف. ولكن مع انتشار المظاهرات، تبنّت بسرعة شعارات مناهضة للنظام مثل “تسقط بس“! وفي يناير/كانون الثاني، أطلق طيفٌ واسع من المنظمات المعارِضة، وبينها تجمّع المهنيين السودانيين، تحالفاً من ثماني نقابات مهنية مستقلة وجمعيات مهنية، بما فيها الأطباء والمدرِّسين والصحفيين والمحامين، باسم “إعلان الحرية والتغيير”، وهو أجندة لحُكم انتقالي ديمقراطي ومدني. ٣ بحلول مايو/أيار، انخرط مفاوضون يمثّلون المُوقِّعين على الإعلان في محادثاتٍ مع المجلس العسكري الانتقالي، وهو هيئة شكّلها جنرالات الديكتاتور السابق القُدامى على النسق الدقيق لمؤسسات الحكومة المستقبلية وسط مشهد خلفي من المظاهرات الشعبية المستمرة، والاعتصامات، والإضرابات.
في الجزائر، كانت شرارة التعبئة الجماهيرية التي أسقطت الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في 2 إبريل/نيسان هي القضية السياسية لدورة رئاسية خامسة بعد 20 عاماً في السلطة. مع ذلك، توجد خلف هذه الأزمة السياسية أزمة اجتماعية أعمق بكثير. يبلغ معدل البطالة بين الشباب الجزائري 29 بالمئة، وسط شعب 70 بالمئة منه تحت سنّ الثلاثين. كما عبّرت قوة مظاهرات الشارع التي انفجرت أيام الجمعة بعد 22 فبراير/شباط عن غضب مكتوم نتيجة انهيار الخدمات العامة، والأجور الفقيرة، وظروف العمل غير المستقرّة، والاستياء من جماعات رجال الأعمال والجنرالات الشبيهة بالمافيا التي تنهب ثروات البلاد. وكما أشار غياني ديل بانتا، كانت هناك ثلاثة مكوّنات للتمرّد الاجتماعي الذي بشّر بالعاصفة الآتية: عمّال القطاع العام، وبالذات المدرِّسون والأطباء المبتدئون؛ والعمّال في معاقل الصناعات الثقيلة المتبقية في الجزائر مع تقاليد تشدّد بعيدة العهد، مثل الشركة الوطنية للعربات الصناعية SNVI في الرويبة؛ والعاطلون عن العمل والمهمَّشون في مناطق مثل الجنوب حيث يوجد التظلّم جرّاء الاستبعاد الاجتماعي والفقر مدموجاً مع مقاومة ضد تهديد الدمار البيئي كنتيجة لتكسير الغاز الصخري من قِبَل شركة الغاز الحكومية “سوناطراك”. ٤
يوفّر فحص لوكسمبورغ الكلاسيكي التفصيلي للإضرابات الجماهيرية في روسيا خلال بداية القرن العشرين إطار عملٍ لتحليل كيف تغذّي المعاناة الاقتصادية والسياسية بعضها البعض في السودان والجزائر اليوم. مثلما لاحظت لوكسمبورغ، بدل المُضي قُدماً في مراحل خطية، ما بين “جانبين متشابكين” للعملية الثورية، “هناك الفعل المتبادل الأكثر اكتمالاً”. ٥
التطوّر المُدمَج وغير المتكافئ
أين هي ديناميكية “الفعل المتبادل” ما بين الجوانب الاقتصادية والسياسية في كفاح الطبقة المتجذِّر؟ على مستوى أساسي جداً، إنها تعبّر عن العلاقة ما بين الاقتصاديات والسياسات في صُلب المجتمع الرأسمالي. تنتزع الإضرابات المؤقّتَة السلطة الاقتصادية للرأسمال على حساب العمل، حاملةً معها على الأقل التحدّي الكامن لسيطرة الطبقة الرأسمالية الحاكمة فوق الطبقة العاملة. في السودان والجزائر اليوم، كما كان الحال في روسيا عند بداية القرن العشرين، يحمل قمع النقابات المستقلة بشكل خاص، والتنظيم السياسي عموماً، ميلاً إلى تسييس الإضرابات. مع ذلك، يُظهِر المشهد المختصَر أعلاه صورة معقَّدة أكثر بكثير من مجرد تصادم بسيط ما بين العمّال المنظَّمين من جانب وأرباب عملهم والدولة من جانب آخر.
تروتسكي، الذي كان مشاركاً في ثورة 1905 في روسيا مثل لوكسمبورغ، طرح نظريته عن التطوّر المُدمَج وغير المتكافئ كي يشرح خصوصيات التكوينات الاجتماعية والاقتصادية في روسيا، وهو ما يرى أنه سهّل انهيار عدة “مراحل” من الثورة (بالتحديد التحوّل من ثورة تهدف إلى جمهورية رأسمالية ديموقراطية بدل الحكم الاستبدادي القيصري، وثورة اجتماعية ضد الرأسمالية) في عملية سلسة من “الثورة الدائمة”. ٦
وتعكس الديناميكيات المحدّدة للعمل المتبادل في انتفاضات الجزائر والسودان عمليات مماثلة للتطوّر المتفاوت والمدمج. ويمكن رؤية التطور غير المتكافئ فعلياً في طريقة اندماج بعض قطاعات الاقتصاد في الأسواق العالمية والإقليمية، جاذباً الاستثمارات من الشركات متعددة الجنسيات كشركات النفط والغاز الأوروبية التي كانت تقود إنشاء صناعة تكسير في الصحراء الجزائرية، أو المصدّرين الزراعيين الموجودين في الخليج الذين انخرطوا في عملية استيلاء واسعة على أراضي وادي النيل الخصيب في السودان، بينما تتخلّف عنهم قطاعات أخرى. ٧ بالطبع فوائد هذا الاستثمار موّزعة بشكل غير متكافئ تماماً، لملء جيوب رجال الأعمال المحليين وضباط الجيش المقرّبين من النظام بأموال طائلة تفتقر إلى الأمانة. كما خلق التطور الذي دمج مراحل مختلفة من الرأسمالية (ليس ما قبل الرأسمالية والتشكيلات الاجتماعية الرأسمالية كما ورد في مثال تروتسكي) مزيجاً قابلاً للاشتعال بسهولة.
لقد أنتجت هذه العمليات أيضاً طبقة عاملة غير متكافئة ومدمجة. العمّال والفقراء هم الأغلبية، ولكن الذين يعملون في وظائف رسمية وفي أماكن عمل كبيرة هم غالباً الأقلية. يؤكّد مسار الانتفاضات في الجزائر والسودان والصراعات الاجتماعية التي سبقتها ما كان واضحاً من تجربة تونس ومصر في 2011: إن بالإمكان بناء وحدة في العمل الجماعي ما بين العاملين والعاطلين عن العمل، وما بين الذين يتمتعون “بامتيازات” نسبياً (سواء من حيث الأجور أو مستويات التعليم أو الوضع المهني) والمهمّشين والمستبعدين اجتماعياً. هذا النوع من الوحدة الطبقية أكثر من مجرّد احتمال ممكن، إنه يتميّز بالقوة. يجلب العاملون في الصناعات “القديمة” أو قطاعات الاقتصاد الاستراتيجي التقليدية، مثل المواصلات والاتصالات (السكك الحديدية، وخدمة الباصات العامة، والبريد، والاتصالات اللاسلكية) قوة التركيز في أماكن عمل كبيرة أو قِوى عاملة كبيرة نسبياً والتي تحتفظ بتأثيرات معطِّلَة حقيقية. كما أنهم قد يعتمدون على تقاليد تنظيم الطبقة العاملة التي تعود إلى عقود سابقة ولها صدى رمزي يتجاوز قطاعهم. هذا ما كان عليه حال إضرابات الشركة الوطنية للمركبات الصناعية SNVI بالجزائر ومشاركة عمّال بورتسودان والسكك الحديدية في الانتفاضة السودانية. في هذه الأثناء، تتجذّر الاتحادات الجديدة بين المدرّسين والأطباء المبتدئين في الصراع لمقاومة ضغوط “إصلاحات” النيوليبرالية الحثيثة التي تهدف إلى خلق أسواق جديدة وفرص جديدة لتحقيق الربح داخل جثّة دولة الرفاهية التي تتحلّل وإلى جانبها.
ماذا عن العاطلين عن العمل وأولئك الذين يتكسّبون لقمة العيش على الهامش كمتزاحمين أو تجار صغار؟ يمكن لدورهم كظلّ شبح يؤدّب العاملين للخضوع والطاعة أن ينقلب؛ والسبب في بعض الحالات أن حركاتهم ذاتية التنظيم قد أشعلت النيران “داخل” أماكن العمل.
إن مزيج المعارك للدفاع عن سُبل العيش وظروف العمل في معاقل الاقتصاد الصناعية القديمة مع الصراع لمقاومة تسويق الخدمات العامة والقتال من أجل الكرامة والعدالة الاجتماعية للعاطلين عن العمل يعكس شَكْل الاقتصاد والمجتمع تحت “النيوليبرالية الموجودة بالفعل”. إن هذا الهجين المؤلّف من القديم والجديد، والتطعيم المشترك بعناصر من مرحلة رأسمالية الدولة ومرحلة النيوليبرالية معاً في التطوّر الرأسمالي، مع ضغوطها المتناقضة باتجاه تكثيف وتجزئة الطبقة العاملة، والتحولات المستمرة في ما يشكّل العمل، والعمل الحرّ والبطالة، كل ذلك يمكن أن يعيد إنتاج نفسه بلا نهاية. مع ذلك، أظهرت الموجات الثورية لـ2010-2013 و2018-2019 أن النوعية المتفجّرة للاندماج التي تمثّلها الأشكال الاجتماعية والسياسية والإيديولوجية للتطوّر غير المتكافئ والمدمج سياسياً لا تزال تحمل الوعد بإطلاق العنان لعمليات تغيير أعمق بكثير.
الاضطهاد والتحرير
إن ديناميكية الفعل المتبادل بين الصراعات الاقتصادية والسياسية في سياق أزمة ثورية تتكشّف تثير مباشرة أسئلة الاضطهاد. كانت هذه النقطة واضحة للاشتراكيين في الثورة الروسية خلال القرن العشرين، والذين التزموا بمحاربة التعصّب المنظّم للدولة القيصرية ضد الأقليات الدينية (بمن فيهم اليهود والطوائف المسيحية غير الأرثوذوكسية) كجزء لا يتجزّأ من بناء تنظيم ثوري. ٨ اليوم أخذت الانتفاضات الجزائرية والسودانية أيضاً طابع “مهرجانات المظلومين”. نزلت النساء إلى الشوارع بهجوم مفاجئ وغاضب وأصبحت الجماعات التي تتعرّض لتمييز منظّم بحججٍ أيديولوجية أو عرقة أو فوقية ثقافية جزءاً لا يتجزّأ من الحركات الجماهيرية.
من الأمثلة الملموسة الوصول المنتصر لوفود من دارفور إلى الاعتصام الجماهيري خارج القيادة العامة للجيش في الخرطوم في تحدٍ لتاريخ النظام الطويل في استخدام التمييز ضد دارفور من أجل إثارة الانقسام والشك بين أقسام المعارضة المختلفة. ٩ وتوفّر صور ألوان قوس قزح لعلم الأمازيغ الذي لوّح به العمّال المضرِبون فوق التظاهرات الجماهيرية في الجزائر جنباً إلى جنب مع الوجود الكلّي للأبيض والأحمر والأخضر في علم الجزائر مثالاً آخر ملموساً. إن وفاة الناشط في حقوق الإنسان، كمال الدين فخار، في الاحتجاز يوم 28 مايو/أيار، والذي سبق اعتقاله عدة مرات بسبب الحملات من أجل الدفاع عن حقوق أقلية مزاب، أثارت موجة من التضامن في جولة التظاهرات الجماهيرية يوم الجمعة التالي، مع التزام المتظاهرين في كل أنحاء البلاد بدقائق صمت حداداً عليه وبارتداء الكثيرين قبّعة الجمجمة البيضاء التي يتميّز بها مجتمع المزابيين. ١٠
وقد أسَرَ ظهور المرأة الواضح في التظاهرات الجماهيرية والإضرابات اهتمام وسائل الإعلام الرئيسية. وكما لاحظت سارة عبد الجليل، يمكن أن يُساء استعمال تخصيص المرأة كأيقونة للثورة لمسح التاريخ الطويل والذي لا يُلاحظ غالباً من اضطهاد المرأة قبل الانتفاضات. ١١ مع ذلك، هناك سبب عميق آخر لظهور النساء كقياديات من الأسفل خلال مثل هذه الانتفاضات الجماهيرية، منغرسٌ في الطرق التي كانت تحكم بها الأنظمة القديمة ولا تستند فقط إلى الإكراه، ولكن أيضاً إلى خلق دقيق للانقسامات بين معارضي هذه الأنظمة. تلاحظ سارة عبّاس أن نظام البشير حوّل سؤال ملابس المرأة إلى سلاح وفرض زياً عاماً عبر قمع وحشي تحت ستار تطبيق “قانون الشريعة”. ١۲ وقد أدى ذلك أكثر من وظيفة. فلم يشجّع فقط هذا الأمر الرجال الذين لم يكونوا جزءاً من النظام على نسيان المظالم الاجتماعية والسياسية الأخرى والتركيز بدلاً من ذلك على ضبط النساء “غير المطيعات” تضامناً مع الرجال الآخرين. وإنما خلق مثالاً قوياً على قدرة النظام على مراقبة الأماكن العامة وخدم كتحذير لجميع المعارضين المحتمَلين على عقوبات المخالفة. في الجزائر أيضاً، هناك تاريخ طويل ومؤلم لتحويل زيّ النساء إلى سلاح للانقسام والحكم- على الرغم من المنظور المخالف، مع ظهور الإصلاحيين العسكريين و”العلمانيين” كمحرّرين للنساء من القمع الإسلامي خلال تسعينات القرن العشرين. وكما تجادل سلمى عمري بأن بعض اليسار في الجزائر خلال هذه الفترة وقع في فخّ توفير غطاء للعسكريين عبر إقامة حواجز داخل الحركة النسائية أمام النساء اللاتي اخترن ارتداء الحجاب بدل النضال من أجل الوحدة ضد القمع.١٣ في كلّ من السودان والجزائر لا يمكن وجود مساحة للرضا عن الحاجة إلى المحاربة داخل الحركات الجماهيرية ضد القمع ومن أجل المطالب التي ترفعها المجموعات المقموعة ضد الدولة. تعرّضت ناشطات الحركة النسائية الجزائرية، اللاتي نظّمن كتلة في مظاهرات 29 مارس/آذار ترفع مطالب حول مساواة الجنسين جنباً إلى جنب مع مطالب الحراك كإطار كلّي، للتحرّش من قِبَل بعض المشاركين في التظاهر، ونُشرت صور مقرفة عن كراهية للنساء في تعليقات على صفحات الفيسبوك الخاصة بهم.١٤ في هذه الأثناء في السودان، مع أن ميثاق المعارضة للفترة الانتقالية المُقترَحة، “إعلان الحرية والتغيير”، ينادي بتمكين المرأة السودانية، إلا أن العوائق أمام مشاركة المرأة الكاملة في كل مجالات الحياة السياسية والاجتماعية لن تختفي بين ليلة وضحاها.١٥ علاوة على ذلك، في كلا الحالتين، يرتبط التقدّم المُحرَز بتعميق وتوسيع الثورة، ولا سيما تفتيت الدولة القائمة.
التنظيم الذاتي على نطاق واسع
كما عرضنا أعلاه، من السذاجة تصوير التعبئة الجماهيرية في السودان والجزائر على أنها انفجار في الفراغ. على النقيض من ذلك، في كلا الحالتين هناك تاريخ سابق من عمل النشطاء الذي غذّى مباشرة تطوّر الدورة الجديدة من التظاهر.
لعب تجمّع المهنيين السودانيين، والذي يتكوّن بحدّ ذاته من ائتلاف نقابات وهيئات مهنية مستقلة، دوراً حاسماً في صياغة الاحتجاجات لتصبح حركة جماهيرية، وبالتحديد عبر طرح المطالب، والتنسيق بين الشعارات، والدفع لاستخدام تكتيكات معينة عبر شبكاته من النشطاء، مثل الإضرابات المنسَّقة في بداية مارس/آذار، وإطلاق الاعتصامات الجماهيرية أمام مقرّات الجيش في الخرطوم في 6 إبريل/ نيسان، ويومي الإضراب العام في 28 و29 مايو/أيار. إن تجمّع المهنيين السودانيين موجود قبل انفجار هذه الحركة، ولكن تمّ تحويله أيضاَ على يد الحركة من أسفل إلى درجة لعب فيها قادته دوراً رئيسياً في المفاوضات مع الجيش إلى جانب أحزاب المعارضة قديمة التأسيس. ويمكن توضيح الطريقة المطلوبة للتعبئة الجماهيرية وبناء تنظيمها في نفس الوقت من خلال النطاق المتغير للّجان المتركّزة في الأحياء بالسودان، والتي لعبت دوراً حاسماً في إحضار مئات الآلاف إلى الشوارع بشكل متكرّر. كانت “لجان المقاومة” كانت شكلاً تنظيمياً يعود تاريخه على ما قبل الانتفاضة، ولكنه تكاثر بسرعة خلال الأشهر القليلة الأخيرة.١٦ وأظهرت صفحات لجان المقاومة على الفيسبوك في جميع أنحاء السودان نشطاء يعقدون اجتماعات سياسية في الشارع، يناقشون ويتجادلون حول طريق المضيّ قدُماً في الثورة.١٧
في الجزائر بدا
الحراك أكثر انتشاراً بعدة طرق. وفق صحفي من رويترز كان يبحث عن
“قادة التظاهرات” للتعليق على التطورات في أوجّ الإضراب العام في منتصف
مارس/آذار، توصّل إلى أسماء رئيس الوزراء السابق أحمد بن بيتور، والأكاديمي الجريء فُضيل بومالة، والمحامييْن المعروفيْن زبيدة عسّول ومصطفى بوشاشي.١٨
وكانت عسّول مع بن بيتور واحدة من مؤسّسي “مواطنة”، وهي منظمة
أُطلِقت في 2018 مع إعلان معارضة ترشّح بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة. وفي ذلك
الوقت، حرص كتّاب الإعلان على التأكيد على أهدافهم المتواضعة، مشدّدين على نقطة أن
مغادرة بوتفليقة “لا تعني تغيير نظام الحكم”. ١٩
إن تعيين سياسيين من الليبراليين ومن جناح اليسار كقادة للحركة الجماهيرية أخطأ في فهم حجم نطاق التعبئة من أسفل وراديكالية المطالب التي حدثت في الجزائر عبر إيقاع احتجاجات يوم الجمعة المنتظمة (وتمّ إكمالها بمظاهرات الثلاثاء التي نظّمها الطلبة). بالنسبة للناشط والكاتب الجزائري حمزة حموشان، لم يكن للحراك “قادة معروفون أو هيكليات منظّمَة، إنها انتفاضة شعبية جماعية”.۲٠ وكما يشير حموشان، بدأت الشعارات لتظاهرات الجمعة، والتي تمّ الترويج لها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والتي عملت أيضاً كمنصّة تنظيمية هامّة للتظاهرات- بدأت بتركيزٍ ضيّق على رفض الولاية الخامسة لبوتفليقة، وانتقلت إلى “يجب أن يرحلوا جميعاً”، وبحلول مايو/أيار 2019 بدأت تستهدف الجيش مباشرة: “الجزائر جمهورية وليست ثكنات عسكرية.”
من الهام تحديد وتحليل أشكال التنظيم الذاتي التي تمدّ حركات التعبئة هذه بالقوة. تُقدّم حركة الطلبة في الجزائر مثالاً على كيف استطاعت سلسلة منتظَمة من تظاهرات أيام الثلاثاء بقيادة الطلبة أن تطوّر في بعض الحالات أشكالها الديموقراطية الخاصة في التنظيم، بما فيها مجالس عامة للبتّ في الأسئلة المتعلّقة بالحركة الطلابية وعلاقتها بالتعبئة الأوسع. ۲١
إن الاتحادات المستقلة هي مكوّن حاسم في الحراك، وقد أثبتت أحياناً قدرتها على التعبئة في أماكن العمل أنها حاسمة في المسار العام للصراع. وسحب بوتفليقة بشكل لافت ترشيحه لولاية خامسة في اليوم الثاني من الإضراب العام الذي امتدّ خمسة أيام بين 10 و15 مارس/آذار، ونال دعماً كاملاً من العاملين في القطاعات الاستراتيجية التي تتضمّن حقول الغاز والنفط، والنقل الجوّي، والسكك الحديدية، والموانئ إضافة إلى الخدمات العامة، وإدارة الضرائب، والتعليم، والصحة، والمِهَن الكبيرة والصغيرة. ۲۲ ولكن بالرغم من القوة المُحتَمَلة للحركة العمالية في الجزائر، بقي دورها الفعلي مقيداً بدعم الحراك بدلاً من قيادته.
فضلاً عن توفير التجربة لعشرات الآلاف من الناس في التعبئة للتظاهرات والإضرابات، أنشأت الانتفاضة السودانية مختبرات لأشكال تجريب أكثر راديكالية في التنظيم الذاتي من الأسفل. وكان أهمّها الاعتصام الجماهيري خارج مقرّ القيادة العامة للجيش في الخرطوم. وحتى 3 يونيو/حزيران عندما تعرّض الاعتصام للهجوم بواسطة عناصر من ميليشيا “قوات الدعم السريع” بناءً على أوامر المجلس العسكري الانتقالي، كان الاعتصام محمياً بالحواجز وتحرسه لجان الأمن ونقاط التفتيش الخاصة به. وأتاح ذلك ظهور مساحة ساعدت على تعزيز الحركة من الداخل من خلال الجدال والنقاش بين ناشطين من مختلف أجزاء البلاد، ومن أماكن عمل ومهن وطبقات مختلفة من المجتمع. داخل الاعتصام، اعتنى مجمّع تنسيقي من “اللجان الثورية” بكل شيء من التثقيف السياسي، إلى المساعدة الطبية، والمؤن، والتنظيف بعد كل مساء بعد تدفّق مئات الآلاف من الأشخاص إلى الساحة.۲٣ وفي نفس الوقت، ضخّمت صوت مطالب الثورة أمام العالم الخارجي، وخاصة قيادة الجيش بالطبع، ولكن أيضاً أمام الحكومات الأخرى (بما فيها الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي) ووسائل الإعلام الدولية.
يستدعي الاعتصام خارج مقرّ القيادة العامة للجيش المقارنة مع خبرة الثورة المصرية خلال 2011، سواء من حيث الحجم أو دوره في العملية الثورية، وخاصة الطريقة التي أصبح فيها اعتصام ميدان التحرير بالنسبة للعديد من الناس مرادفاً للثورة نفسها. مع ذلك، اختصار خبرة الثورة المصرية بميدان التحرير مضلّلٌ أيضاً. كانت نقطة التحوّل الحاسمة في انتفاضة 2011 هي اندلاع موجة إضرابات بدأت قبل سقوط حسني مبارك بأيام قليلة، ونقلت الثورة من ميدان التحرير وبدأت في شلّ القطاعات الرئيسية للاقتصاد والحكومة.۲٤ وبنفس القدر من الأهمية، استمرت موجة الإضرابات بعد تفريق اعتصام التحرير عقب إزالة مبارك من السلطة على الرغم من جهود السياسيين الليبراليين والإسلاميين في الإلحاح على أن وقت التعبئة من الأسفل قد انتهي. ۲٥ فضلاً عن ذلك، تشمل الخبرة المصرية المثال المروّع للمذابح التي وقعت في اعتصامات رابعة وميدان النهضة في أغسطس/آب 2013 حيث قتل الجيش المصري وقوات الأمن مئات من المؤيدين العُزّل لرئيس الإخوان المسلمين محمد مرسي الذي أُطيح به في انقلاب عسكري في 3 يوليو/تموز من قِبِل وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي.۲٦
“هيئات خاصة من الرجال المسلّحين”
يلوح بشكل كبير شبح دور الانقلاب العسكري والمجازر بمصر في 2013 فوق الحركات في كلّ من السودان والجزائر، مع هتافات تتكرّر أكثر من أي وقت مضى خلال التظاهرات والاعتصامات ومطالب صريحة تنادي بـ”دولة مدنية”. في حالة السودان، انخرطت “قِوى إعلان الحرية والتغيير”، وهي تحالف لأحزاب المعارضة يتضمّن تجمّع المهنيين السودانيين، في مفاوضات مع المجلس العسكري الانتقالي حول سؤال نقل السلطة إلى المدنيين. وعلى الرغم من أن العسكر كانوا مستعدّين للموافقة على مستويات أدنى من خطة الحكومة الانتقالية المقترَحة، وصلت المحادثات في نهاية مايو/أيار إلى طريق مسدود حول التوازن بين ممثلي المدنيين والعسكريين في القمة وإصرار المجلس العسكري الانتقالي على الاحتفاظ بأغلبية ساحقة.۲٧ وبسرعة أعقبَ المجلس العسكري الانتقالي انسداد طريق المحادثات بمحاولة لإجهاض الثورة عبر عنف تحذيري: أكثر من 100 ناشط قُتلوا خلال الاعتصامات وفي الشوارع على “قوات الدعم السريع” والمليشيات والقوى العسكرية الأخرى في فترة أيام قليلة بعد 3 يونيو/حزيران، مع تقارير مروّعة وثّقتها المنظمات السودانية عن اغتصاب وتعذيب الجنود للمحتجزين. ۲٨ وبالتالي يطرح الصراع حول الملامح “المدنية” لأية “جمهورية جديدة” قد تنبثق عن الانتفاضات أسئلةً جوهرية. هل يمكن إخضاع الجيش وقوات الأمن الحالية بواسطة الحركات الجماهيرية للامتثال لدورهم “المناسب” في المجتمع؟
إن المنظور المقترح هنا مختلف جداً. استناداً إلى عمل كارل ماركس ولينين بخصوص سؤال الدولة، سنطرح مجادلات مثل: لماذا لا يمكن للثوّار الاستيلاء على ما سمّاه ماركس “ماكينة العسكرية البيروقراطية” عندما كتب كوميونة باريس في 1871، وتجديدها وفقاً لرغباتهم، وإنما ينبغي تحطيمها.۲٩
باختصار، كانت نقاط لينين الرئيسية بسيطة. أكّد على أن الدولة، على عكس من كانوا يأملون في إمكانية ترويضها عبر الثورة وإصلاحها من الداخل، كانت منتَجاً لـ”عدم توافق الخصومات الطبقية”، ما جعل حضور “هيئات خاصة من الرجال المسلّحين” مختلفاً بوضوح عن عناصر المجتمع الأساسية. ٣٠ إن شخصية الدولة كأداة للاستغلال والاضطهاد تتمتّع بها الطبقة الحاكمة من أجل ضمان استمرار قوتها، معناه أن لدى مثل هذه الهيئات المسلّحة دوراً مُزدَوَجاً تلعبه. لم يقتصر الأمر على لعب دور الدَرَك الداخلي لقمع محاولات العمّال والفقراء لتعديل توزيع الثروة والسلطة بالقوة، ولكن يمكن نشرهم في المنافسة على الوصول إلى الموارد والأراضي والأسواق مع دول رأسمالية أخرى- والنموذج المجسَّد بالنسبة للينين هو اندماج المنافسة الاقتصادية والعسكرية في حرب إمبريالية كانت مستعرِة في أنحاء العالم عندما كتب ذلك.
هناك بعض ملاحظات التوضيح الهامة هنا. أولاً، دقّة عبارة “هيئات خاصة من الرجال المسلّحين” أمر بالغ الأهمية. فالمؤسسات التي نتحدث عنها هنا تتجاوز الجيش لتشمل أي رجال مسلّحين (وأحياناً نساء)، وتختلف عن المجتمع ككل تحت قيادة سلطة عامة معزولة عن بقية المجتمع (بعبارة أخرى الدولة). وكما سنناقش بالتفصيل لاحقاً، من خصائص الثورات الشعبية أنها تكشف غالباً الدور الحقيقي للقوات المسلّحة، والذي يتمّ تقديمه عادة باعتباره يخدم وظائف “الدفاع” ضد التهديدات الخارجية، بينما يُترك الدور القذر للقمع الداخلي لقوات الأمن والشرطة. ثانياً، من المفيد التوسّع في عرض لينين للدور الذي يلعبه الرجال المسلّحون في الدولة والطبقة الحاكمة ككلّ للتفكير في الأبعاد المؤسسية والطبقية. هيئات الرجال المسلّحين هذه ليست مجرّد أسلحة مملوكة من قِبِل الطبقة الحاكمة في المعركة ضد أعدائها (من بين الذين تستغلّهم أو تضطهدهم، وكذلك ضد منافسيها من بين الطبقات الحاكمة الأخرى- أو حتى لتسوية بعض الحسابات ضمن صفوفها). ويتمّ دمج الشرائح العليا مع الطبقة الحاكمة بطرق متعددة؛ من خلال المصالح التجارية، والروابط العائلية، وعبر شبكات المحسوبية والامتياز.
ليس من الصعب تصوير الدور القمعي الداخلي الذي لعبته القوات العسكرية والأمنية داخل الجزائر والسودان. من الأمثلة الواضحة الانقلاب العسكري في 1992 بالجزائر الذي ألغى نتائج الانتخابات البرلمانية وقاد المعارضة الإسلامية إلى تحت الأرض، والتدخلات العسكرية العديدة للحكومة في السودان، ومنها الانقلاب الذي قاده البشير نفسه في 1989. إن الطبيعة الجماعية لدور الجيش وقوات الأمن كدَرَك داخلي مؤكَّدة من خلال الهيكل المصفوف للعلاقات بين مختلف الأجهزة العسكرية والأمنية في البلدين. في الجزائر، كانت قوات الأمن الداخلي الرئيسية (إدارة المخابرات والأمن) مسؤولة مباشرة أمام وزارة الدفاع حتى 2015. وقد أدّت إقالة بوتفليقة لرأس إدارة المخابرات والأمن، الجنرال محمد مدين الذي ُعرف أيضاً باسم الجنرال توفيق، إلى تعيين أحد المرؤوسين السابقين لتوفيق كي يقود جهاز الأمن الداخلي الجديد تحت سلطة الرئاسة هذه المرّة.٣١
في السودان اشتهر البشير بعمل توازن معقّد حافظ عليه بين الجيش الوطني، وجهاز الأمن والمخابرات الوطني، وميليشيا قوات الدعم السريع وشرطة الشغب. ومع اندفاع الحركات الجماهيرية إلى الأمام في إبريل/نيسان 2019، ظهرت تقارير عن جنود وضباط من الجيش يحمون المتظاهرين الذين يخيّمون أمام وزارة الدفاع من هجوم قوات أمن أخرى، قيل إنها أُرسلت من قِبِل جهاز الأمن والمخابرات الوطني.٣۲ وأُجبِر صلاح غوش على الاستقالة كرئيس لجهاز الأمن والمخابرات بعد أيام من سقوط البشير، ولكن قادة المجلس العسكري المعيّن ذاتياً والذي تولّى السلطة في 11 إبريل/نيسان أظهروا بسرعة دعمهم للجنرال محمد حمدان دقلو (ويشتهر باسمه المستعار “حميدتي”) قائد مليشيا قوات الدعم السريع. وعُيّن حميدتي نائباً لرئيس المجلس العسكري الانتقالي، مرسلاً رسالة تقشعرّ لها الأبدان إلى آلاف السودانيين الذين عانوا بين يدي ميلشيا قوات الدعم السريع، والتي قامت بجرائم حرب في مناطق دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان بحسب منظمات حقوق الإنسان، فضلاً عن تورّطه الشديد في قمع التظاهرات.٣٣
وقد استولت الأجهزة العسكرية والأمنية في السودان والجزائر على كميات هائلة من ثروة الدولة، محوِّلَة الموارد الشحيحة نحو مؤسساتها الخاصة، ومولَّدَة غالباً أرباحاً شخصية لكبار الضباط في نفس الوقت. في حالة الجزائر، تبِعَت نهاية الحرب الأهلية في 1999 فورة ضخمة لشراء الأسلحة رفعت الجزائر من المرتبة 27 كأكثر مستورد للأسلحة في العالم إلى المرتبة 8 في 2014. وبين وزارة الدفاع ووزارة الداخلية حصلت الوزارتان على 20 مليار دولار من ميزانية الدولة في ذلك العام.٣٤ وبالمِثل، ضخّمت سنوات الحرب في السودان الميزانية المخصّصة للجيش والأمن. ومع تعمّق الأزمة الاقتصادية، اعتمد البشير على استخدام القوات السودانية كمرتزقة للقتال في الحروب الإقليمية لجلب التمويل. وجنَت الحكومة السودانية ما يقدّر بنحو 2.5 مليار دولار في 2015 و2016 من نشر قوات الدعم السريع في اليمن من خلال التدخّل العسكري بقيادة السعودية والإمارات العربية المتحدة.٣٥ قد لا يُستغرَب أن الجنرالين اللذين قادا القوات السودانية في اليمن، عبد الفتاح البرهان وحميدتي، هما من يرأسان أيضاً المجلس العسكري الانتقالي.٣٦
هذا مثال واحد على الطريقة التي تشقّ فيها الديناميكية الإمبريالية داخل الدولة الوطنية، والخدمات العسكرية والأمنية واحدة من القنوات الرئيسية لهذه الضغوط. وعلى الرغم من حقيقة أن البشير مطلوب من المحكمة الجنائية الدولية ويُصنَّف نظامه من قِبَل الولايات المتحدة الأميركية بأنه “راعٍ للإرهاب”، تمّ تدعيم خدماته الأمنية من خلال منتدى “عمليات الخرطوم” الذي جمع دولاً أوروبية، منها بريطانيا، لتحسين التعاون حول ضبط الهجرة.٣٧ وكما تثبت الأدوار المتعدّدة التي لعبتها هيئات الرجال المسلّحين السودانية، ليست فقط الإمبريالية العالمية هي من يدعم الأجهزة القمعية للدول الضعيفة، ولكن أيضاً القوى الإقليمية شبه الإمبراطورية.٣٨
لا شيء من هذا جديد بالنسبة للنشطاء الثوريين في السودان أو الجزائر اليوم. في الجزائر، يمكن سماع هتافات ولافتات المتظاهرين تنتقد الجيش وإدارة المخابرات والأمن باعتبارها أجزاء من مكونات النظام ضمن ما يصفه النشطاء بجشع وغالباً جرائم الأوليجاركية. وفي السودان، جعلت قيادات الحركة الاحتجاجية سؤال كيفية احتواء سلطة الجيش وقِوى الأمن مركزياً في مفاوضاتها مع الجنرالات الذين يترأسون هذه الأجهزة. في النهاية إذا كان لينين على حق في أن خدمة القوات العسكرية والأمنية للأنظمة القديمة ليست انحرافاً، وإنما في الواقع تعبيراً عن دورها كضامن للسلطة الطبقية، يبقى السؤال، هل يمكن للانتفاضات أن تخلق “دولة مدنية” من دون أن تسيطر أيضاً على الطبقة الحاكمة ككلّ؟
الإصلاح والثورة: صفقة فاوست مع الشيطان
يوضح ذلك بدقة أن من تناقضات الثورة أنها تفتح احتمال الإصلاح “الحقيقي” في المجتمع حيث لا توجد عملياً أية مساحة من التحسين التدريجي أو المتتابع للنظام. بمجرّد تحقيق الأهداف الوسيطة – تقييد الديكتاتور القديم بالنفي أو الإقامة الجبرية- يصبح التوتر أكثر حدة بين الذين يعتبرون أن الجماهير جيش مرحلة يتمّ تعبئته وتسريحه لانتزاع تنازلات من أولئك الذين في السلطة، وبين هؤلاء الذين تعني الثورة لهم عملية حقيقية للتحرير الذاتي من الأسفل وليسوا مستعدّين للتوقف ضمن الدستور الحالي، وهياكل الدولة الموجودة، أو حتى النظام الاقتصادي القائم.
في الجزائر، سيطر على قضية الانتخابات سؤال ما إذا كان النظام يستطيع احتواء وتوزيع الضغط من الأسفل ضمن حدود الدستور الحالي في النهاية عبر آليات انتخاب رأس جديد للدولة في 4 يوليو/تمّوز، تلبية للمتطلبات الدستورية لفترة انتقالية مدتها 90 يوماً بعد استقالة بوتفليقة. وكان استمرار التظاهرات والإضرابات الجماهيرية الرافضة للانتخابات الرئاسية يشير إلى مشاكل النظام في متابعة السير في هذا الطريق. وواصل الضغط من الأسفل طريقه إلى الروافد الأعلى لآلة الدولة: مع رفض آلاف القضاة الإشراف على الاقتراع.٣٩ وفي 2 يونيو/حزيران، مع تسجيل مرشحَين اثنين فقط غير معروفين للتصويت، أعلن المجلس الدستوري إلغاء انتخابات 4 يوليو.٤٠
وطالبت قِوى المعارضة السودانية أيضاً عدم إجراء انتخابات إلا بعد فترة انتقالية طويلة (4 سنوات حسب إعلان الحرية والتغيير)، لإتاحة الوقت لتفكيك شبكات الحزب الحاكم السابق في جميع أنحاء الدولة والمجتمع العريض.٤١ مع ذلك وبخلاف الجزائر، مضت هذه الاستراتيجية يداً بيد مع محاولة لإنشاء هيكليات جديدة للدولة من أعلى إلى أسفل عبر مفاوضات مع المجلس العسكري الانتقالي. ولا يعني ذلك أن تجمّع المهنيين السودانيين والقوى المعارضة القريبة من الحركة الجماهيرية لا ترى دوراً للنشاط الذاتي من أسفل في عملية الانتقال. فقد اقترح تجمّع المهنيين السودانيين مثلاً، أن يشكّل ممثلو اللجان الثورية المحلية التي لعبت دوراً أساسياً في تعبئة التظاهرات، ثلث أعضاء الهيئة التشريعية الانتقالية.٤۲ مع ذلك، حقيقة أن استراتيجية المفاوضات نفسها والجدل حول التوازن بين العضوية المدنية والعسكرية للمؤسسات العليا للدولة تستند إلى فكرة إمكانية ترويض جنرالات البشير القدامى (ورجالهم المسلّحين) عبر الحوار. وسيجد من يضغطون من أجل مزيد من المفاوضات مع المجلس العسكري الانتقالي صعوبة في تبرير هذا الافتراض عقب حملة القمع الوحشية على الحركة في الشوارع بعد 3 يونيو/حزيران. ومع ذلك، سيكون هناك ضغط كبير على من يقودون الانتفاضة “للعودة إلى طاولة المفاوضات”، ليس أقلّه من الجهات الدولية، سواء أكانت قوى عالمية أم إقليمية.
من الهام هنا التأكيد على أن الطبيعة المتفاوتة لـ”توقيت الثورة” تزيد تعقيد الصورة. بين العمّال والفقراء والمقموعين، يمكن أن تكون هناك قفزات هائلة في الثقة بالنفس والتنظيم الذاتي خلال فترات قصيرة. ولكن لا يصل الجميع إلى النتائج نفسها بالسرعة ذاتها. إن الثورات عمليات من التحرير الذاتي للناس العاديين؛ تجربتهم المباشرة في النضال من أجل تغيير العالم هي أفضل وأسرع معلّم. وحتى في خضم الثورات، من الضروري إجراء تقييم رصين لمدى أفضلية المشاركة في انتخابات فيها عيوب عن المقاطعة بهدف كسب الوقت لاستمالة طبقات أوسع لتحقيق أهداف الثورة.
تؤكّد خبرة الموجة الثورية في 2011-2013، والمحاذاة القريبة بين قِوى الثورة المضادة في السودان وبين الأنظمة في مصر والخليج، بأية طريقة، أنه مهما كانت التقلبات في دراما الثورة، لا يرجّح أن تؤدي حصيلة الاستراتيجيات الإصلاحية إلى إنشاء نظام ديموقراطي مستقر. بل من المرجّح أن تتحول إلى نسخة مأساوية من صفقة فاوست مع الشيطان. فبدلاً من تأمين البقاء الأبدي، تخاطر المفاوضات والتسويات مع العسكر بإتاحة مساحة تنفس لقوى الثورة المضادة كي تعيد تنظيم نفسها قبل هجوم مضاد مدمّر؛ يلغي كل الإصلاحات السياسية والاجتماعية التي تم التنازل عنها في خضم الثورة بعربدة قمعية تهدف إلى تدمير جميع أشكال المعارضة المنظّمة.
نقطة إضافية ضرورية هنا. هذه النتائج لا تتحدد بالطابع الأيديولوجي المميز للإصلاحيين المشاركين. بالنسبة لليسار، الاشتراكي الشيلي سلفادور أليندي نسخة أكثر جاذبية من فاوست مقارنة بمرسي الإخوان المسلمين، الذي لعب دوراً مشؤوماً كأول رئيس -والوحيد حتى الآن- منتخب ديموقراطياً قبل أن يُطاح به من قبل العسكر في 2013. في النهاية، في دراما الثورة المضادة في شيلي 1970-1973 ومصر في 2013 لعبا أدوراً مماثلة، حتى في تفاصيل تعيين وزير للدفاع وقائد للجيش سيطيح بمهما ويغرق الحركة الجماهيرية في الدم.
تنظيم الهجوم على الدولة
النشطاء الذين بنوا الحركة الجماهيرية في السودان والجزائر يعرفون من يقاتلونه. عنف الدولة تم تسجيله في الذاكرة الشعبية خلال خبرة سنوات “العقد الأسود” التي أعقبت الانقلاب العسكري في 1992 وحروب الإبادة الجماعية التي شنّها البشير. ويجعل ذلك تطوّر الحركات التي تضع الأولوية لأشكال التعبئة الجماهيرية غير العنيفة على استراتيجية تقررها النخبة المسلحة أكثر إثارة للإعجاب والأمل. لقد قاموا بالفعل بتنشيط حركات على نطاق لم يُر في مجتمعاتهم لأجيالٍ (بمساعدة الاستخدام المؤثر لوسائل التواصل الاجتماعي كمنصة تعبئة) التي أطلقت سراح ديناميكية العمل المتبادل بين الصراعات الاقتصادية والسياسية لزعزعة الدولة. إنهم يظهرون لنا كل إمكانات الإضراب السياسي العام، ومجالس الشوارع، وتجمّعات الطلاب، ولجان المقاومة، والاجتماعات الجماعية للمضربين كأدوات لتغيير العالم.
مع ذلك، إذا كانت الحجج التي طرحها لينين صحيحة، لا يمكنهم التوقف عند هذا الحد إذا كانوا يريدون الانتصار. إلا إذا تمزّقت الدولة أكثر، وعلى وجه الخصوص، ما لم يبدأ تماسك “الهيئات الخاصة بالرجال المسلحين” في الانهيار، قد تسير العملية الثورية بسرعة. هذا الخطر واضح بخاصة في السودان، فبعد دورة الأحداث في نهاية مايو/أيار وبداية يونيو/حزيران، الذي شهد إضراباً عاماً ثورياً في 28 و29 مايو/أيار وأول هجوم كبير مضاد للثورة بواسطة ميليشا حميدتي RSF.
من الأهمية بمكان استخلاص الدروس الصحيحة من هذه الفترة. على امتداد الدولة، استجابت العمّال في القطاع العام، والبنوك، والمصانع، والموانئ والمطارات لنداء الانضمام إلى الإضراب. وفي حالة عمّال القطاع العام، لقد تحدّوا علانية تهديد الجنرال حميدتي ليصرفهم عن المشاركة؛ وأحضر كثيرون لافتات إلى خطوط الاعتصام تقول “تعال واطردني!”٤٣ من المتماسكين، المنضبطين بالإضراب والمتحدّين له تنشأ رؤية لمجتمع ممزق بين قطبي جذب: قوّة الدولة القائمة والقوّة المضادة المنظّمة للحركة الشعبية العظيمة التي قامت ضدها. ولا يزال القطب الثاني يفتقر إلى التعريف، وهو بحاجة ماسة إلى إنشاء أشكال من القيادة والتنظيم الذاتي القادرة على التنظيم الفعّال للهجوم على الدولة.
وبناءً على تجربة الماضي، يمكننا القول إن هناك تحولان في ميزان القوى على الجانب الثوري يجب أن يحدثا. الأول، يجب أن تكون استراتيجية وتكتيكات الإضراب العام تحت السيطرة الديموقراطية للأشخاص الذين يتخذون الإجراءات، من خلال التنسيق بين المندوبين الذين يمثّلون أماكن وقطاعات الإضراب عن العمل وألا يتم استخدامها كورقة مساومة لفتح باب المفاوضات (أو لتقوية أيدي المفاوضين). ثانياً، تحتاج الحركة الثورية لاحتضان “كتلة الشعب، أغلبيتهم، أدنى المجموعات الاجتماعية، المنسحقة بالظلم والاستغلال” (كما طرحها لينين)، ليتاح لهم الصعود بشكل مستقل و”ختم … بصمة مطالبهم الخاصة على كامل مسار الثورة ومحاولتهم لبناء مجتمع جديد بطريقتهم الخاصة مكان المجتمع القديم الذي تم تدميره”.٤٤ وكما لاحظ مجدي الجزولي، أن وضع القانون الأساسي لتجمّع المهنيين السودانيين SPA بواسطة أصحاب المهارات العالية من موظفي القطاع العام يعني أنه على الأقل في المراحل الأولى من الانتفاضة، لم تكن أفقر شرائح المجتمع السوداني هي القوة الدافعة وراء حركة الاحتجاج.٤٥ ووقت ما كانت الثورة تتأرجح، كانت تحديداً الغالبية العظمى من الشعب السوداني- هؤلاء الذين ليس لديهم ما يخسرونه أو ما يلجؤون إليه- هم من بحاجة لقيادتها إلى الأمام في مواجهة الجنرالات ودولتهم.
الآلية الأكثر فاعلية لضمان السيطرة الديموقراطية من أسفل على الاستراتيجية والتكتيكات الخاصة بالإضراب العام هي من خلال تشكيل مجالس العمّال. جوهر حجة لينين في “الثورة والدولة” كان أن هذه الصيغة من الحكم الذاتي الثوري ليست وحدها السلاح الأكثر فاعلية لتحطيم الدولة القائمة، لكن يمكن أن تشكل جنيناً لنوع مختلف من الدولة كلياً. بإنشاء اتصال مباشر مع قاعدة حركة الإضراب عبر مبدأ إخضاع المندوبين للاستدعاء، تمنح مجالس العمّال ملايين المضربين سلطة حقيقية على قادتهم، وتجربة للتنظيم الذاتي يمكنها أن “تنمو بسرعة” إلى حكم ذاتي.٤٦
إيجاد شكل من التنظيم لديه القدرة على الجمع بين القرارات والفعل أمر حاسم في خضم الأزمة الثورية. يمكن لمجلس العمّال أن يضمن استمرار تدفق الكهرباء للمستشفى ومنازل الناس العاديين، بينما يطفئ الأنوار في قصر الرئاسة وثكنات الجيش- شريطة تمثيل عمال الكهرباء في صفوفه. ويمكن أن يضمن خَبْز الخُبز وإعفاء إمدادات الغذاء الأساسية من الإضراب. مجالس العمّال قامت بكل هذه الأمور في الماضي (من دون مساعدة الهواتف النقّالة وشبكات التواصل الاجتماعي للتواصل بين المندوبين وأماكن عملهم). أحد الأسلحة التي تنشرها دائماً الأنظمة بمجرّد أن تضعف قبضتها على السلطة هي زرع بذور الخوف من الفوضى والانهيار في المجتمع.٤٧
في سياق السودان اليوم، النقطة الأخيرة مصيرية. مجالس العمّال في السودان ستعطي مضموناً للإعلان الذي أطلقته قوى تجمّع المهنيين السودانيين والحرية والتغيير بأن الحركة الثورية قِوى حقيقية مضادة للدولة، قِوى قادرة على إدارة الدولة من دون الجنرالات. وأكثر من ذلك، ستشير إلى الطريق نحو تأسيس نوع مختلف تماماً من الدولة؛ دولة عمّال مكرّسة لمنع استعادة السلطة الرأسمالية وتمهيد الطريق لمجتمع اشتراكي.
لنعد إلى نقطة ماركس بخصوص كوميونة باريس: “لن تكون المحاولة التالية للثورة الفرنسية، كما كانت من قبل، لنقل الآلية البيروقراطية-العسكرية من يد إلى أخرى، إنما لسحقها ]الكلمة الأصلية zerbrechen وضعها ماركس بخط مائل[ وهذا هو الشرط المسبق لكل ثورة شعب حقيقية في القارة”.٤٨
ماذا سيعني “تحطيم الدولة” في السودان والجزائر اليوم؟ تستحضر أبواق النظام القديم شبح الفوضى من أجل تأكيد مطالبهم بالسلطة. ومع ذلك، فإن تحطيم الدولة عن طريق إضراب سياسي جماعي، مع وجود ديموقراطية مجالس العمّال في صميمها ورأسها، ليست استبدالاً للنظام بالفوضى، لكن تأسيس نوع جديد من النظام. بشكل أساسي هو انقسام الدولة أفقياً، وليس رأسياً، مع وجود الناس في الطبقات الدنيا من الدولة- الناس الذين يجعلون الدولة تعمل- وسحب ولاءهم طوعاً وديموقراطياً منها والبدء في تشكيل مؤسسات بديلة خاصة بهم.
في مراحلها المبكرة ستكون هذه العملية متشابكة مع عملية “تطهير” (تنظيف) لمؤسسات الدولة من أسفل لأعلى حيث ينظّم العاملون على امتداد القطاع العام أنفسهم لطرد رؤسائهم القدامى وإخضاع تقديم الخدمات للسيطرة الديموقراطية من أسفل. في مصر خلال 2011 النضال من أجل صيغة التطهير من أسفل لعبت دوراً حاسماً في شل جهاز الدولة. لقد أغرقت الجنرالات وأعوانهم لأشهر في مناوشات استنزفت قدرتهم على الرد على الحركة في الشوارع.٤٩ الاستراتيجية الثورية التي تدمج النضال من أجل التطهير كواحدة من أساليب عملها الأساسية لا يوجد شيء مشترك وبينها، على كل حال، وبين الجهود الإصلاحية لغزو الدولة من الداخل، على النحو المبين في أعمال كتّاب مثل نيكوس بولانتزاس، وتمت محاولة تطبيقها من قبل سيريزا في اليونان.٥٠
وأيضاً تؤكّد تجربة قيادة الإخوان المسلمين للحكومة في مصر لا جدوى تغيير عدد قليل من الوزراء في القمة. مقاومة الثورة المضادة من داخل جهاز الدولة ينبغي أن تُحطَّم من أسفل ومن الخارج في الوقت ذاته. فالشرط المسبق لنجاح التطهير ليس إنشاء فراغ في الجزء العلوي من جهاز الدولة، والذي يمكن ملأه بطبقة جديدة من البيروقراطيين “الأفضل” الذين هم على اتصال أكثر مع “الناس”. إنما تطوير أجهزة بديلة للحكومة الثورية في شكل مجالس العمّال، التي تعبّر عن الإرادة السياسية للناس من أسفل الدولة، جنباً إلى جنب قطاعات أخرى من الطبقة العاملة وحلفائها من المستَغلّين والمظلومين.
أخيراً، ينبغي أن تمتد عملية كسر الدولة للعسكر أنفسهم، فصل الجنود العاديين من ضباطهم الأعلى وإقناعهم بالانحياز إلى جانب إخوانهم وأخواتهم في الشوارع وأماكن العمل. ومرة أخرى، يُعد تطوير مجال العمّال كقوّة منظمة مضادة للدولة القائمة بالغ الأهمية. فقط التمزّق الأفقي لـ “الهيئات الخاصة بالرجال المسلحين” وظهور مؤسسات ثورية للحكم الذاتي يمكنها كسب الولاء السياسي للجنود العاديين هو ما يحمي ضد تكرار المصير السوري والليبي للثورات. في سوريا، قطعت قطاعات كبيرة من الضباط والجنود العاديين ولاءها للدولة، لكن عجز الحركة الثورية عن شلّ قلب جهاز الدولة من خلال إضرابات جماعية في العاصمة كان معناه أن نضالهم المسلّح أصبح سلسلة من التمرّدات المحلية وكان غير قادر على تحقيق اختراق حاسم.٥١ في ليبيا، انقسم الجيش عمودياً، ولكن جنباً إلى جنب مع التأثير الكارثي للتدخل الإمبريالي للناتو، فأدى ذلك إلى تسريع انحطاط الثورة إلى حرب أهلية.
هكذا يمكننا أن نرى أنه عندما يتحدّث لينين عن الحاجة إلى “ثورة شعب حقيقية”، بمعنى أنه يعكس جملة ماركس: تصبح ثورة الشعب الحقيقية أيضاً شرطاً مسبقاً لسحق الدولة. لماذا؟ لأن لدى ثورة الشعب الحقيقية وحدها كما عناها ماركس ولينين (يعني ثورة في صميمها الطبقة العاملة المنظّمة) كلاً من الجماهير والتنظيم الديموقراطي لتولّي وكسر الدولة الرأسمالية.
“الثورة هي اختيار الشعب“
من هم “الشعب” بحسب صياغة لينين؟ هم ليسوا الناس، كما يتخيلهم الدبلوماسيون الليبراليون والغربيون، الذين ينتظرون صامتين في الطوابير للإدلاء بأصواتهم لتغييرات بديلة قليلة استغلالاً لفرصتهم كل خمس سنوات أو نحو ذلك. هذه رؤية للناس مع طبقة عاملة منظّمة هي جوهرهم الاستراتيجي، والعمود الفقري الذي تلتف حوله طبقات أوسع من المحرومين والمهمّشين والمضطهدين.
مع ذلك، كما ذكرت أنا ومصطفى بسيوني في 2014: “منذ الساعات الأولى للثورة المصرية، كان هناك سؤال ينتظر طرحه: هل سيعيد الناس تشكيل الدولة على صورتهم، أم ستعيد الدولة تشكيل الشعب؟”٥۲ لهذا السبب، إذا كانت الثورة ستصبح حقاً خيار الشعب، فالتنظيم الثوري ضروري لتوجيه الصراع حتى نهايته. “توقيت الثورة” متفاوت- يمكن للنضال أن يقفز قفزة هائلة إلى الأمام أو الخلف في غضون بضع ساعات. ويرجّح أن تستطيع منظمة مركزية متماسكة بشكل محكم نسبياً، والتي ناقشت ووافقت بالفعل على الحاجة إلى كسر الدولة، اغتنام الفرص عند ظهورها، وتوفر قيادة واضحة للحركة الجماهيرية في لحظات الأزمات عندما تكون القِوى الإصلاحية في مخاض التسوية أو الانهيار في وجه عدوان من الطبقة الحاكمة. وغني عن القول إن هذا الشكل الشيق من التنظيم ليس بديلاً عن التنظيمات الجماهيرية للطبقة العاملة والفقراء، والتي هي محرّك الحركة الثورية.
ونعرف جميعاً جيداً لماذا لا يقبل تنظيم الثوّار المساومة على مسائل القمع. فالثورة المضادة تشق طريقها إلى أي وإلى جميع الشقوق والتصدعات في وحدة خصومها، وتحوّل المضطَهدين ضد بعضهم البعض، أو أغلبية المستغلِّين ضد المضطهدين. هذه المسألة لها بعدٌ دولي أيضاً. فالجنرالات الذين يقدمون أبناء الناس العاديين عتاد مدافع للحروب في الخارج، أو يقبلون المال والأسلحة من دول أخرى، سيثيرون نوبة من الشك ضد “الأيادي الأجنبية” و”الدعم الخارجي”.
أخيراً، هناك مغزى آخر لكون الحزب الثوري عنصراً حيوياً وهاماً: إنه يوفّر وسيلة لتلقّي التعلُّم المكثّف والخبرة التي يحشرها الناس في “وقت الثورة” بخصوص قدرتهم على إعادة تشكيل المجتمع- إحساسهم بسلطتهم وقوتهم الخاصة جمالهم وهدفهم الذي يريد حكّامنا تدميره- وصيانتها للمرة القادمة حتى يتمكّن الآخرون من التعلّم منها أيضاً. هذا ليس عملاً تخليد أو تمريناً على الحنين إلى الماضي، بل هو طريقة يمكننا من خلالها البناء على تضحيات ونضالات أولئك الذين قاتلوا أمامنا وحوّلوا هزائم الماضي إلى انتصارات للمستقبل.
آنّ ألكسندر مؤلفة “عيش حرية عدالة اجتماعية: العمّال والثورة المصرية” بالاشتراك مع مصطفى بسيوني (زد،2014). وهي عضوة مؤسِّسة لـ“شبكة تضامن الشرق الأوسط وشمال إفريقيا“، ومحرّرة مشاركة في مجلة تضامن الشرق الأوسط، وعضوة في اتحاد الجامعة والكلية في بريطانيا.
ملاحظات
1 لم تكن كتابة هذه المقالة ممكنة من دون ساعات المناقشة العديدة مع نشطاء منخرطين بعمق في الحركات الثورية والمعارِضة في السودان، والجزائر، ومصر، والمغرب، والمملكة العربية السعودية. إن المخاوف الأمنية تعني أنني لا أستطيع أن أشكر بالأسماء الرفاق الذين أعطوني وقتهم لمساعدتي على فهم بعض الأسئلة المطروحة هنا جيداً، ولكني أدين لهم بلا حدود. وبالطبع أي خطأ أو سهو يبقى على عاتقي. والشكر أيضاً لكلّ من سلمى عُمري، وجاد بوهارون، وتشارلي كيمبر، وأليكس كالينيكوس للتعليقات على المسوّدة.
2 لوكسمبورغ، 1964.
3 قِوى إعلان الحرية والتغيير، 2019.
4 ديل بانتا، 2017.
5 لوكسمبورغ، 1964، ص39.
6 تروتسكي، 1931؛ تروتسكي 1992.
7 حموشان وبيريز، 2016، شوارتستين، 2019، حموشان، 2019أ.
8 لينين، 1909؛ كروش، 2006.
9 والش، 2019.
10 تي إس آى (كل شيء عن الجزائر)، 2019.
11 عبد الجليل، 2019.
12 عبّاس، 2019.
13 عُمري، 2019.
14 هافنجتون بوست الجزائر، 2019.
15 قِوى إعلان الحرية والتغيير، 2019.
16 الحزب الشيوعي السوداني، 2017، تجمّع المهنيين السودانيين، 2019أ.
17 لجان المقاومة بورتسودان على الفيسبوك: www.facebook.com/pg/revoltprotsudan/
18 شيخي، 2019.
19 كبير، 2019.
20 حموشان، 2019ب.
21 بوطيب، 2019.
22 بوطيب، 2019.
23 ألكسندر، 2019.
24 نجيب، 2011؛ ألكسندر وبسيوني، 2014.
25 ألكسندر، 2011.
26 ألكسندر وبسيوني، 2014.
27 تجمّع المهنيين السودانيين، 2019ب.
28 شارف وباك، 2019.
29 لينين، 1917.
30 لينين، 1917.
31 تلمساني، 2017.
32 بي بي سي نيوز، 2019.
33 مراقبة حقوق الإنسان (هيومين رايتز واتش)، 2015؛ راديو دبنقا، 2019. قوات الدعم السريع هي تطوّر لميليشيا الجنجاويد التي تمّ حشدها من قِبَل الحكومة السودانية لتقوم باغتصاب وقتل الناس في دارفور قبل عقد ونصف من الزمن. وكان حميدتي قائد الجنجاويد ثم مستشاراً للحكومة الإقليمية في دارفور واستمرت قوات الدعم السريع في استخدام أساليب مماثلة للجنجاويد في قمعهم العنيف للانتفاضة- توبيانا، 2019.
34 تلمساني، 2014.
35 أي سي جي، 2019.
36 سليمان، 2019.
37 توبيانا، وارين وسينين، 2018.
38 ألكسندر، 2018.
39 أفريكانيوز، 2019.
40 دجاما، 2019.
41 قِوى إعلان الحرية والتغيير، 2019.
42 تجمّع المهنيين السودانيين، 2019ج.
43 شبكة تضامن الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، 2019.
44 لينين، 1917.
45 الجزولي، 2019أ؛ الجزولي 2019ب.
46 تروتسكي، 1931ب.
47 مولينو، 2017، ص102-111.
48 لينين، 1917.
49 ألكسندر وبسيوني، 2014، ص284-318.
50 مولينو، 2017، ص141-146.
51 ألكسندر وبسيوني، 2016.
52 ألكسندر وبسيوني، 2014، ص321.
المراجع
عباس، سارة، 2019، “حالة الثورتين السودانية والجزائرية: إسهام في البث المباشر لمائدة النقاش المستديرة”، اشتراكيو شيكاغو (1 يونيو/حزيران)، https://tinyurl.com/yyy89fgn
Abbas, Sara, 2019, “The State of the Sudanese and Algerian Revolutions: Contribution to Panel Discussion Livestream”, Chicago Socialists (1 June), https://tinyurl.com/yyy89fgn
عبد الجليل، سارة، 2019، “إسهام في الاجتماع العام في كامبريدج”، شبكة تضامن الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، اتحاد كلية وجامعة كامبريدج ومجلس كامبريدج وتجارة المقاطعات (13 مايو/أيار).
Abdelgalil, Sara, 2019, “Contribution to Public Meeting in Cambridge”, MENA Solidarity Network, Cambridge UCU and Cambridge and District Trades Council (13 May).
أخبار إفريقيا، 2019، “القضاة الجزائريون سيقاطعون الاستفتاءات الرئاسية” (14 إبريل/نيسان)، www.africanews.com/2019/04/14/algerian-magistrates-to-boycott-presidential-polls/
AfricaNews, 2019, “Algerian Magistrates to Boycott Presidential Polls” (14 April), www.africanews.com/2019/04/14/algerian-magistrates-to-boycott-presidential-polls/
ألكسندر، آنّ، 2011، “الروح الاجتماعية المتنامية في ثورة مصر الديمقراطية”، الاشتراكية الدولية، العدد 131 (إصدار الصيف)، http://isj.org.uk/the-growing-social-soul-of-egypts-democratic-revolution/
Alexander, Anne, 2011, “The Growing Social Soul of Egypt’s Democratic Revolution”, International Socialism 131 (summer), http://isj.org.uk/the-growing-social-soul-of-egypts-democratic-revolution/
ألكسندر، آنّ، 2018، “ديناميكيات الإمبريالية المعاصرة في الشرق الأوسط: تحليل أوّلي”، الاشتراكية الدولية، العدد 159 (إصدار الصيف)، http://isj.org.uk/contemporary-dynamics-of-imperialism/
Alexander, Anne, 2018, “The Contemporary Dynamics of Imperialism in the Middle East: A Preliminary Analysis”, International Socialism 159 (summer), http://isj.org.uk/contemporary-dynamics-of-imperialism/
ألكسندر، آنّ، 2019، “نحن ننظّم الثورة” – شاهد عيان من الاعتصامات السودانية”، العامل الاشتراكي (12 مايو/أيار)، https://socialistworker.co.uk/art/48327/Were+organising+the+revolution+eyewitness+from+the+Sudanese+sit+ins
Alexander, Anne, 2019, “‘We’re Organising the Revolution’—Eyewitness from the Sudanese Sit-ins”, Socialist Worker (12 May), https://socialistworker.co.uk/art/48327/Were+organising+the+revolution+eyewitness+from+the+Sudanese+sit+ins
ألكسندر، آنّ، ومصطفى بسيوني، 2014، عيش، حرية، عدالة اجتماعية: العمّال والثورة المصرية (زِد بوكس).
Alexander, Anne, and Mostafa Bassiouny, 2014, Bread, Freedom, Social Justice: Workers and the Egyptian Revolution (Zed Books).
ألكسندر، آنّ، وجاد بوهارون، 2016، سوريا: ثورة وثورة مضادة وحرب (حزب العمّال الاشتراكي).
Alexander, Anne, and Jad Bouharoun, 2016, Syria: Revolution, Counter-revolution and War (Socialist Workers Party).
أخبار بي بي سي، 2019، “تظاهرة السودان: تصادمات بين القوات المسلّحة في اعتصام الخرطوم” (8 إبريل/نيسان)، www.bbc.com/news/world-africa-47850278
BBC News, 2019, “Sudan Protest: Clashes Among Armed Forces at Khartoum Sit-in” (8 April), www.bbc.com/news/world-africa-47850278
بوطيب، محمد، 2019، “معركة الجزائر”، أوراق اشتراكية (24 إبريل/نيسان)، https://revsoc.me/arab-and-international/39731/
Boutayeb, Mohamed, 2019, “Ma’rakat al-Jaza’ir”, Awraq Ishtarakiyya (24 April), https://revsoc.me/arab-and-international/39731/
شيخي، لامين، 2019، “قادة تظاهرات الجزائر يرفعون الضغط بعد استشعار ظروف ملائمة”، رويترز (13 مارس/آذار)، www.reuters.com/article/us-algeria-protests-leaders-idUSKBN1QU2DE
Chikhi, Lamine, 2019, “Sensing Advantage, Algeria Protest Leaders Hike Pressure for Change”, Reuters (13 March), www.reuters.com/article/us-algeria-protests-leaders-idUSKBN1QU2DE
كراوتش، ديفيد، 2006، “البلاشفة والإسلام”، الاشتراكية الدولية، العدد 110 (إصدار الربيع)، http://isj.org.uk/the-bolsheviks-and-islam/
Crouch, David, 2006, “The Bolsheviks and Islam”, International Socialism 110(spring), http://isj.org.uk/the-bolsheviks-and-islam/
ديل بانتا، غياني، 2017، “هل ينذِر تمرّد العمّال بعاصفة الجزائر القادمة؟” شبكة تضامن الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، (2 أكتوبر/تشرين أول)، https://menasolidaritynetwork.com/2017/10/02/archive-does-workers-rebellion-herald-algerias-coming-storm/
Del Panta, Gianni, 2017, “Does Workers’ Rebellion Herald Algeria’s Coming Storm?” Middle East Solidarity (2 October), https://menasolidaritynetwork.com/2017/10/02/archive-does-workers-rebellion-herald-algerias-coming-storm/
دجاما، يونس، 2019، “بعد إلغاء الانتخابات الرئاسية المقرّرة في 4 يوليو/تموز: ماذا ستفعل السلطة؟” تي إس آ (كل شيء عن الجزائر) (2 يونيو/حزيران)، www.tsa-algerie.com/apres-lannulation-de-la-presidentielle-du-4-juillet-que-va-faire-le-pouvoir/
Djama, Younès, 2019, “Après l’annulation de la présidentielle du 4 juillet: que va faire le pouvoir?” TSA (2 June), www.tsa-algerie.com/apres-lannulation-de-la-presidentielle-du-4-juillet-que-va-faire-le-pouvoir/
الجزولي، مجدي، 2019أ، “أزمة السودان الثورية: الأسواق والقرآن والمسؤولون العسكريون”، ريفيو أوف أفريكان بوليتيكال إيكونومي (5 مارس/آذار)، http://roape.net/2019/03/05/sudans-revolutionary-crisis-markets-the-quran-and-army-officers/
El-Gizouli, Magdi, 2019a, “Sudan’s Revolutionary Crisis: Markets, the Quran and Army Officers”, Review of African Political Economy (5 March), http://roape.net/2019/03/05/sudans-revolutionary-crisis-markets-the-quran-and-army-officers/
الجزولي، مجدي، 2019ب، “سقوط البشير: رسم خارطة القِوى المتنازعة في السودان”، مبادرة الإصلاح العربي (12 إبريل/نيسان)، www.arab-reform.net/publication/the-fall-of-al-bashir-mapping-contestation-forces-in-sudan/
El-Gizouli, Magdi, 2019b, “The Fall of al-Bashir: Mapping Contestation Forces in Sudan”, Arab Reform Initiative (12 April), www.arab-reform.net/publication/the-fall-of-al-bashir-mapping-contestation-forces-in-sudan/
قِوى إعلان الحرية والتغيير، 2019، ” إعلان الحرية والتغيير”، تجمّع المهنيين السودانيين، (1 يناير/كانون الثاني)، www.sudaneseprofessionals.org/en/declaration-of-freedom-and-change/
Forces of Declaration and Freedom and Change, 2019, “Declaration of Freedom and Change”, Sudanese Professionals Association (1 January), www.sudaneseprofessionals.org/en/declaration-of-freedom-and-change/
حموشان، حمزة، 2019أ، “الجزائر في تمرّد: “لقد صحونا وستدفعون الثمن!”، ديمقراطية مفتوحة (12 إبريل/نيسان)، www.opendemocracy.net/en/north-africa-west-asia/algeria-in-revolt-we-woke-up-and-you-will-pay/
Hamouchene, Hamza, 2019a, “Algeria in Revolt: ‘We Woke Up and You Will Pay!’”, openDemocracy (12 April), www.opendemocracy.net/en/north-africa-west-asia/algeria-in-revolt-we-woke-up-and-you-will-pay/
حموشان، حمزة، 2019ب، “حالة الثورتين السودانية والجزائرية: إسهام في البث المباشر لمائدة النقاش المستديرة”، اشتراكيو شيكاغو (1 يونيو/حزيران)، https://tinyurl.com/yyy89fgn
Hamouchene, Hamza, 2019b, “The State of the Sudanese and Algerian Revolutions: Contribution to Panel Discussion Livestream”, Chicago Socialists (1 June), https://tinyurl.com/yyy89fgn
حموشان، حمزة، وألفونس بيريز، 2016، “استعمار الطاقة: اختطاف الاتحاد الأوروبي للغاز في الجزائر”، مرصد الديون والعولمة (سبتمبر/أيلول)، www.counter-balance.org/wp-content/uploads/2016/12/energy_colonialism_algeria_eng.pdf
Hamouchene, Hamza, and Alfons Pérez, 2016, “Energy Colonialism: The EU’s Gas Grab in Algeria”, the Observatory on Debt and Globalisation (September), www.counter-balance.org/wp-content/uploads/2016/12/energy_colonialism_algeria_eng.pdf
هافنجتون بوست الجزائر، 2019، “عنف الساحة النَسوية: البادئات يطلقن الإدانة ويواصلن قتالهنّ” (31 مارس/آذار)، www.huffpostmaghreb.com/entry/agression-du-carre-des-feministes-les-initiatrices-condamnent-et-poursuivront-leur-combat_mg_5ca089e0e4b00ba6327e506a
HuffPost Algérie, 2019, “Agression du Carré des Féministes: Les Initiatrices Condamnent et Poursuivront Leur Combat” (31 March), www.huffpostmaghreb.com/entry/agression-du-carre-des-feministes-les-initiatrices-condamnent-et-poursuivront-leur-combat_mg_5ca089e0e4b00ba6327e506a
مراقبة حقوق الإنسان، هيومين رايتز واتش، 2015، “رجال بدون رحمة”: قوات الدعم السريع تهاجم المدنيين في دارفور بالسودان”، هيومين رايتز واتش (9 سبتمبر/أيلول)، www.hrw.org/report/2015/09/09/men-no-mercy/rapid-support-forces-attacks-against-civilians-darfur-sudan
Human Rights Watch, 2015, “‘Men With No Mercy’: Rapid Support Forces Attacks against Civilians in Darfur, Sudan”, Human Rights Watch (9 September), www.hrw.org/report/2015/09/09/men-no-mercy/rapid-support-forces-attacks-against-civilians-darfur-sudan
مجموعة الأزمات الدولية، 2019، “تحسين الآفاق لانتقال سلمي في السودان” (14 يناير/كانون الثاني)، www.crisisgroup.org/africa/horn-africa/sudan/b143-improving-prospects-peaceful-transition-sudan
International Crisis Group, 2019, “Improving Prospects for a Peaceful Transition in Sudan” (14 January), www.crisisgroup.org/africa/horn-africa/sudan/b143-improving-prospects-peaceful-transition-sudan
كبير، كريم، 2018، “ولادة حركة “مواطَنة”، ليبرتيه ألجيريه (11 يونيو/حزيران)، www.liberte-algerie.com/actualite/naissance-du-mouvement-mouwatana-294536
Kebir, Karim, 2018, “Naissance du mouvement ‘Mouwatana’”, Liberté Algérie (11 June), www.liberte-algerie.com/actualite/naissance-du-mouvement-mouwatana-294536
لينين، المجلّد 1، “موقف حزب العمّال من الدين”، بروليتاريا (13 مايو/أيار)، www.marxists.org/archive/lenin/works/1909/may/13.htm
Lenin, V I, 1909, “The Attitude of the Workers’ Party to Religion”, Proletary (13 May), www.marxists.org/archive/lenin/works/1909/may/13.htm
لينين، المجلّد 1، “الدولة والثورة: نظرية ماركس عن الدولة ومهمات البروليتاريا في الثورة”، في الأعمال التي تمّ جمعها، المجلّد 25 (بروجرس)، www.marxists.org/archive/lenin/works/1917/staterev
Lenin, V I, 1917, “The State and Revolution: The Marxist Theory of the State and the Tasks of the Proletariat in the Revolution”, in Collected Works, volume 25 (Progress), www.marxists.org/archive/lenin/works/1917/staterev
لوكسمبورغ، روزا، 1964]1906[، الإضراب الجماهيري والحزب السياسي والنقابات المهنية (مرلين برس).
Luxemburg, Rosa, 1964 [1906], The Mass Strike, the Political Party and the Trade Unions (Merlin Press).
شبكة تضامن الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، 2019، “إضراب السودان العام يوجّه رسالة إلى الجنرال حميدتي: “نريد حكماً مدنياً الآن” (28 مايو/أيار)، https://menasolidaritynetwork.com/2019/05/28/sudans-general-strike-sends-a-message-to-general-hemeti-we-want-civilian-rule-now/
MENA Solidarity Network, 2019, “Sudan’s General Strike sends a message to General Hemeti: ‘We Want Civilian Rule Now’” (28 May), https://menasolidaritynetwork.com/2019/05/28/sudans-general-strike-sends-a-message-to-general-hemeti-we-want-civilian-rule-now/
مولينو، جون، 2017، لينين لهذه الأيام (بوكماركس)
Molyneux, John, 2017, Lenin for Today (Bookmarks).
نجيب، سامح، 2011، الثورة المصرية: تحليل سياسي وتقرير شاهد عيان (بوكماركس).
Naguib, Sameh, 2011, The Egyptian Revolution: A Political Analysis and Eyewitness Account (Bookmarks).
عُمَري، سلمى، 2019، “حالة الثورتين السودانية والجزائرية: إسهام في البث المباشر لمائدة النقاش المستديرة”، اشتراكيو شيكاغو (1 يونيو/حزيران)، https://tinyurl.com/yyy89fgn
Oumari, Selma, 2019, “The State of the Sudanese and Algerian Revolutions: Contribution to Panel Discussion Livestream”, Chicago Socialists (1 June), https://tinyurl.com/yyy89fgn
راديو دبنقا، 2019، “جريحان أثناء محاولة القوات شبه العسكرية تفريق اعتصام وسط دارفور” (5 مايو/أيار)، www.dabangasudan.org/en/all-news/article/two-injured-as-paramilitaries-attempt-to-break-up-central-darfur-sit-in
Radio Dabanga, 2019, “Two Injured as Paramilitaries Attempt to Break-up Central Darfur Sit-in” (5 May), www.dabangasudan.org/en/all-news/article/two-injured-as-paramilitaries-attempt-to-break-up-central-darfur-sit-in
شارف، ميريام، وإيرانغ باك، 2019، “الإضراب العام يمكن أن يجبر النظام على الرحيل: نقابيون سودانيون يتحدثون علناً مع استمرار أعمال القتل”، شبكة تضامن الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (5 يونيو/حزيران)، https://menasolidaritynetwork.com/2019/06/05/the-general-strike-can-force-the-regime-to-go-sudanese-trade-unionists-speak-out-as-killings-continue/
Scharf, Miriam, and Irang Bak, 2019, “‘The General Strike can Force the Regime to go’: Sudanese Trade Unionists Speak Out as Killings Continue”, MENA Solidarity Network (5 June), https://menasolidaritynetwork.com/2019/06/05/the-general-strike-can-force-the-regime-to-go-sudanese-trade-unionists-speak-out-as-killings-continue/
شوارتزشتاين، بيتر، 2019، “واحدة من أكثر أراضي إفريقيا خصوبة تكافح لإطعام شعبها”، بلومبرغ بزنس ويك (2 إبريل/نيسان)، www.bloomberg.com/features/2019-sudan-nile-land-farming/
Schwartzstein, Peter, 2019, “One of Africa’s Most Fertile Lands Is Struggling to Feed Its Own People”, Bloomberg Businessweek (2 April), www.bloomberg.com/features/2019-sudan-nile-land-farming/
سليمان، أحمد، 2019، “هل يقود العسكر أم الشعب السودان؟” تشاتام هاوس (26 إبريل/نيسان)، www.chathamhouse.org/expert/comment/will-military-or-people-lead-sudan
Soliman, Ahmed, 2019, “Will the Military or the People Lead Sudan?” Chatham House (26 April), www.chathamhouse.org/expert/comment/will-military-or-people-lead-sudan
الحزب الشيوعي السوداني، 2017، “لجان المقاومة” (9 نوفمبر/تشرين ثاني)، https://tinyurl.com/yxusszkd
Sudanese Communist Party, 2017, “Lijan al-muqawama” (9 November), https://tinyurl.com/yxusszkd
تجمّع المهنيين السودانيين، 2019أ، “بناء لجان المقاومة طريقتنا لإسقاط النظام” (11 مارس/آذار)، https://tinyurl.com/yx9at4xl
Sudanese Professionals Association, 2019a, “Bina’a lijan al-muqawama tariqatuna lisqat al-nidham” (11 March), https://tinyurl.com/yx9at4xl
تجمّع المهنيين السودانيين، 2019ب، “مؤتمر صحفي لإعلان السلطة الانتقالية المدنية” (20 إبريل/ نيسان)، www.sudaneseprofessionals.org/en/press-conference-to-declare-the-transitional-civilian-authority/
Sudanese Professionals Association, 2019b, “Press Conference to Declare the Transitional Civilian Authority” (20 April), www.sudaneseprofessionals.org/en/press-conference-to-declare-the-transitional-civilian-authority/
تجمّع المهنيين السودانيين، 2019ج، “لجان المقاومة والتغيير” (1 مايو/ أيار)، https://tinyurl.com/y2hongda
Sudanese Professionals Association, 2019c, “Lijan al-muqawama wal taghir” (1 May), https://tinyurl.com/y2hongda
تلمساني، رشيد، 2014، “المجمع الصناعي – شبه العسكري، بوتفليقة والنمو الاقتصادي”، لو ماتان دالجيري (19 نوفمبر/تشرين الثاني)، www.lematindz.net/news/15691-le-complexe-militaro-industriel-bouteflika-et-la-croissance-economique.html
Tlemçani, Rachid, 2014, “Le Complexe militaro-industriel, Bouteflika et la croissance économique”, Le Matin d’Algérie (19 November), www.lematindz.net/news/15691-le-complexe-militaro-industriel-bouteflika-et-la-croissance-economique.html
تلمساني، رشيد، 2017، “تطهير الجنرالات الجزائريين الأقوياء: الإصلاح المدني- العسكري أو الاستيلاء على السلطة الرئاسية؟ مركز الجزيرة للدراسات (12 فبراير/ شباط)، http://studies.aljazeera.net/en/reports/2017/02/170212111608848.html
Tlemçani, Rachid, 2017, “The Purge of Powerful Algerian Generals: Civil-Military Reform, or Presidential Power Grab?” Al Jazeera Centre for Studies (12 February), http://studies.aljazeera.net/en/reports/2017/02/170212111608848.html
توبيانا، جيروم، 2019، “الرجل الذي أرهب دارفور يقود عملية الانتقال المفترَضة في السودان”، فورين بوليسي (14 مايو/ أيار)، ), https://foreignpolicy.com/2019/05/14/man-who-terrorized-darfur-is-leading-sudans-supposed-transition-hemeti-rsf-janjaweed-bashir-khartoum/
Tubiana, Jérôme, 2019, “The Man Who Terrorized Darfur Is Leading Sudan’s Supposed Transition”, Foreign Policy (14 May), https://foreignpolicy.com/2019/05/14/man-who-terrorized-darfur-is-leading-sudans-supposed-transition-hemeti-rsf-janjaweed-bashir-khartoum/
تروتسكي، ليون، 1931، الثورة الدائمة (بروجرس بابليشيرز)،
Trotsky, Leon, 1931, The Permanent Revolution (Progress Publishers), www.marxists.org/archive/trotsky/1931/tpr/
تروتسكي، ليون، 1992، تاريخ الثورة الروسية (باثفيندر).
Trotsky, Leon, 1992, The History of the Russian Revolution (Pathfinder).
كل شيء عن الجزائر، تي إس آي، “الجمعة الخامسة عشرة: تعبئة قوية والمتظاهرون يقولون لا للحوار مع بن صلاح وبدوي” (31 مايو/أيار)، www.tsa-algerie.com/direct-15e-vendredi-forte-mobilisation-les-manifestants-disent-non-au-dialogue-avec-les-2b/
تي إي ايه، 2019، 15 إي
TSA, 2019, “15e vendredi: forte mobilisation, les manifestants disent non au dialogue avec les 2B” (31 May), www.tsa-algerie.com/direct-15e-vendredi-forte-mobilisation-les-manifestants-disent-non-au-dialogue-avec-les-2b/
توبيانا، جيروم، كلوتيلد وارين وجعفر محمد سينين، 2018، “الضرر متعدد الأطراف: تأثير سياسيات الهجرة في الاتحاد الأوروبي على الطرق المركزية في الصحراء”، كلينجدال (سبتمبر)، www.clingendael.org/pub/2018/multilateral-damage/
Tubiana, Jérôme, Clotilde Warin and Gaffar Mohammud Saeneen, 2018, “Multilateral Damage: The Impact of EU Migration Policies on Central Saharan Routes”, Clingendael (September), www.clingendael.org/pub/2018/multilateral-damage/
والش، ديكلان، 2019، “مع ترنّح ثورة السودان، دارفور تتحرّك إلى الصدارة”، نيويورك تايمز (11 مايو/أيار)، www.nytimes.com/2019/05/11/world/africa/sudan-darfur-revolution-protest.html
Walsh, Declan, 2019, “With Sudan’s Revolution in the Balance, Darfur Moves Center Stage”, New York Times (11 May), www.nytimes.com/2019/05/11/world/africa/sudan-darfur-revolution-protest.html
This article originally appeared on June 26, 2019 in Issue 163 of International Socialism, a quarterly review of socialist theory.
Arabic translation has been provided by the Spring Socialist Network in loving memory of Sarah Hegazi. This translation is also available in PDF.
Did you like this article? Help us produce more like it by donating $1, $2, or $5. Donate