العدد: ١٦٦
نُشر في 28 مارس/آذار 2020
آنّ ألكسندر
من الجزائر إلى بيروت ومن بغداد إلى الخرطوم، يبدو أن الثورة هي “خيار الشعب” من جديد، بحسب الشعار الذي ردّده عشرات آلاف المتظاهرين في السودان. ١ في هذه الأثناء، ارتفعت بشكل واضح حرارة النضال الاجتماعي والسياسي في إيران ومصر والمغرب وتونس والأردن. وقد أثارت أهم حركات التعبئة من أسفل أزمات سياسية كبيرة للطبقة الحاكمة خلال العام الماضي لتطيح برئيسين ورئيسي وزراء. وفي حالة السودان، فرضت الحركة الجماهيرية مفاوضات لنقل السلطة إلى حكومة انتقالية مؤلّفة من ممثلي أحزاب المعارضة وقادة الاحتجاج في تحالف غير مستقر مع بعض جنرالات النظام القديم ورؤساء الميليشيات. وبينما يميل المعلِّقون والمحللون في وسائل الإعلام الرئيسية إلى الاستهزاء من ادّعاءات أن هذه الجولة الأخيرة من الاحتجاجات ستحقق أي تغيير دائم على مستوى الدولة أو المجتمع، لا شك في أن عودة التمردات الشعبية إلى الشرق الأوسط تجلب إحساساً جديداً بالهدف والأمل للملايين في أنحاء المنطقة بعد الدراما الدموية للثورة المضادة والحرب التي بدا أنها دفنت آمال 2011.
من الصواب الاحتفال بعودة الاحتمالات الثورية، وأداء التحية لإبداع ومرونة المتظاهرين الذين قادت شجاعتهم حركات التعبئة إلى الأمام. ولكن هناك أسئلة جوهرية للنقاش. كيف يمكن لهذه الثورات تجنّب مصير جولة الانتفاضات السابقة؟ كما لاحظ آصف بيات، كانت هذه الانتفاضات غنية بخبرة “الثورة كحركة”، لكنها أنتجت حصاداً هزيلاً من “الثورة كتغيير”، سواء تمّ قياسها من حيث الإصلاحات في الدولة القائمة، أو من حيث خلق مؤسسات بديلة لسلطة الدولة. ٢ بالمقارنة مع ثورات سنوات السبعينات، يجادل بيات بأن أولئك الذين كانوا في موجة 2010-2012 افتقروا إلى أي محرّك جدّي لإعادة توزيع الثروة والسلطة إلى أسفل، وولّدوا تجارب قليلة في الإدارة الذاتية والسيطرة على الإنتاج أو الأرض من قِبَل العمّال أو الفقراء، ولم ينتِجوا “مؤسسات دولة جديدة أو وسائل غير مألوفة من الحكومة يمكنها أن تجسّد أية رؤية للتغيير العميق”. ٣ هل سبب ذلك أن “الثوّار” الذين ظهروا في سياق هذه الصراعات المَلحمية كانوا أكثر اهتماماً بالأداء الثوري في الشوارع بدل الاستيلاء على الدولة والعمل باتجاه تغييرها؟ في هذه الحالة، هل كان ذلك بسبب تقزّم تصوّراتهم بفعل الأشكال المختلفة للوعي النيوليبرالي الذي غلّفهم في حياتهم اليومية، بمعنى أن فصل “الاقتصادي” عن “السياسي” تم أخذه ببساطة كأمر مسلّم به إلى جانب وجود السوق الحرّة؟ ٤ هل ستكرّر هذه الدورة نفسها ببساطة في موجات الانتفاضات الحالية والمستقبلية من خلال التعاقب اللامتناهي للحظات نشوة المجتمع والتضامن والتضحية؟ أم أن هناك مخرجاً آخر؟
ستناقش هذه المقالة أن هناك، بل من المطلوب تطوير إضافي لهذه الأنواع من التمرّدات الجماهيرية لتصبح ثورات حيث يكون العمل الجماعي للطبقات العاملة المنظَّمة أكثر من محرّك للتعبئة الجماهيرية، ولكن يوفّر أيضاً قيادة مسؤولة بحسب الديموقراطية أمام “الشعب” في معركته ضد الدولة. ويمكن رؤية لمحات لما قد يبدو عليه الأمر، ولكن يتطلّب ذلك استغناءً واعياً عن طرق التفكير المعاصرة حول الثورة، وإعادة اكتشاف التراث الماركسي. ترسم وصفة لينين الشهيرة من العام 1915 الخطوط العريضة لـ”أعراض” الحالة الثورية التي تتضمّن “أزمة في سياسة الطبقة الحاكمة تؤدي إلى شرخٍ ينفجر من خلاله استياء وسخط الطبقات المضطهدة”، وزيادة “معاناة وعوز الطبقات المضطهدة” و”زيادة كبيرة في نشاط الجماهير”. ٥ وكما يلاحظ دانيال بن سعيد أن كلاً من تعريفي لينين وتروتسكي للأزمات الثورية ينطوي على “تفاعل العناصر التي تتبادل التأثير بطرق معقّدة ومتغيّرة” و”عملية من التكييف المتبادل”. ٦
يحتوي مخطط لينين للحالة الثورية على ثلاث أفكار يمكن أن نحاول تكثيفها أكثر قليلاً. أولاً: هناك فكرة أن الأزمات تتطوّر على مستوى قمة وقاعدة المجتمع في نفس الوقت. ثانياً: ينقاد الاستقطاب بين الحاكمين والمحكومين –”بينهم” و”بيننا”- منقاد بواسطة قوة الجماهير. لا يكفي للناس أن يكونوا غاضبين أو محبطين أو بائسين. عليهم البدء بالحركة ومحاولة تغيير الأشياء لأنفسهم، وليس مجرّد الانتظار السلبي حتى يقوم شخص آخر بذلك نيابة عنهم. أخيراً: هناك سؤال يتعلّق بإتمام الأمر. يحذّر لينين:
لا تؤدي كل حالة ثورية… إلى نشوء ثورة؛ تنهض الثورة فقط من حالة تكون فيها التغييرات الموضوعية المذكورة أعلاه مصحوبة بتغيير ذاتي، وبالتحديد، قدرة الطبقة الثورية على القيام بعمل جماهيري قوي بما يكفي لكسر (أو خلع) الحكومة القديمة، والتي لم “تسقط” أبداً، حتى في فترة الأزمات، إذا لم يتمّ إسقاطها. ٧
تؤكّد النقطة الثالثة لماذا لا يكفي الاعتماد على رسم خريطة القِوى في ساحة المعركة وفقاً لما إذا كانت جزءاً “منهم” (الطبقة الحاكمة) أو “معنا” (الشعب). نحن بحاجة أيضاً لمعرفة أيّ من الطبقات أو فتات الطبقات سيصطف مع أحد الجانبين. والسبب أن الصراع لن يحسمه وزن العدد وحده (وإلا كان “جانبنا” هو المنتصر بالفعل، فكيف لـ1 بالمئة أن يصمد أمام 99 بالمئة؟). سيكون النصر لأولئك القادرين على نشر “القدرات والمصالح المشتركة”، والتي تُعرّف بشكل موضوعي الطبقات الاجتماعية لأنها تنشأ عن علاقات الإنتاج، كسلاح في المعركة لكسر التصميم السياسي لخصومهم والإطاحة بهم في نهاية المطاف. ٨
إن هذين الوجهين المتماثلين للطبقة، جذورها الموضوعية في علاقات الإنتاج وقدرتها على أن تكون سلاحاً، أساسيان للاستراتيجية الثورية في التراث الماركسي، ولكنهما غريبان على التيار السائد لعلم الاجتماع. إنهما أيضاً غريبان على الكثير من التفكير في الأزمات والثورة الذي سيطر على اليسار الراديكالي خلال فترة “التراجع عن الطبقة” الطويلة على مدى 40 سنة مضت أو نحو ذلك (لا عجب أن يتزامن ذلك مع صعود النيوليبرالية). ٩ إن ترجمات فكرة أن الموضوع الثوري هو “وفرة” المظلومين والمستغَلِّين، أو حتى مجرد الأعداد الضخمة جداً من “المواطنين العاديين” تخترق كلاً من التحليل اليساري الأكاديمي ومعظم “المنطق السليم” لتنظير نشطاء الحركة الاجتماعية. ١٠
في المقابل، تناقش هذه المقالة أن لدى القوة الاستراتيجية للطبقة كسلاح في أيدي العمّال قدرة على تحويل التمرّد السياسي والاستياء الاجتماعي إلى ثورة اجتماعية. على الرغم من التغييرات التي سبّبتها عقود من النيوليبرالية والحرب في هيكليات المجتمعات التي تتخمّر الآن ثورياً، لا تزال البروليتاريا، وهي “الطبقة الخاصة”، كما قال هال درا بر، الطبقة الوحيدة التي “بحكم شروط وجودها، تجسّد برنامجاً اجتماعياً يشير إلى بديل للرأسمالية”. ١١
وبالتالي، ينبع من هذا الجدال أن معاناة العمّال في أماكن عملهم ذات أهمية خاصة لتطوير الحركات الجماهيرية في عصرنا. الإضرابات ليست مجرّد شكل آخر من الاحتجاج، ولكن يمكنها تغيير مسار التعبئة من أسفل بأكمله. فعندما يبدأ العمّال باختبار قوتهم كعمّال، وليس فقط كمواطنين غاضبين، يؤدي ذلك إلى تأثيريْن، الأول، يكشف قوة العمّال لأنفسهم:
يُبرِز التنظيم الطبقي خصائص الطبقة في الصدارة. وكوظيفة للتنظيم، تتزايد أولوية الخصائص الطبقية مقارنة بردود الفعل الفردية فقط كلما زاد حجم الانخراط الطبقي. هناك تأثير التغذية الاسترجاعية حيث يمكن أيضاً لردود فعل الطبقة إعادة تشكيل وإعادة تثقيف ردود الفعل الفردية. هكذا يتطوّر الوعي الطبقي. ١٢
مع ذلك، “تكشف قِوى الطبقة الناشئة” أيضاً. ١٣ وبعبارة أخرى، تضع الطبقة الحاكمة في بؤرة التركيز وتمزّق حجاب الحياد عن الدولة ومؤسساتها البيروقراطية والعسكرية.
عملية الكشف هذه، وإعادة صنع الأفكار في سياق المبادرة العملية لتغيير العالم هي الشيء الوحيد الذي يمكن أن يخترق الضباب الذي يغلّفنا به “وعي النيوليبرالية”. أخطأ بيات الهدف في محاولة الإجابة على أسئلته، والتي تبدو أنها تركّز على محاولة فرز المشكلة في عالم الأفكار وحده من خلال تطوير راديكالية فكرية منفصلة عضوياً عن صراع الطبقة العاملة. كما أضاع أيضاً الإشارات على أن العمّال كعمّال يلعبون دوراً مركزياً في تشكيل التمرّدات الجماهيرية، حتى لو لم يطوّروا بعد أشكال تنظيم مستقل تحوّل ما هو كامن إلى حقيقة. ومن أجل فهم هذه الإمكانية والتصرّف بناءً عليها، نحتاج إلى أمرين. أولاً، تحقيق شامل في “الآلية الداخلية” للثورة النامية مثلما بدأ تروتسكي يأخذ على عاتقه في أعقاب ثورة 1905 في روسيا. ١٤ ثانياً، رعاية وتشجيع العناصر التي تقود إلى الطريق الذي نريد أن نسلكه، مع تمييز أنه، كما لاحظ مجدي الجزولي بشكل إدراكي، على الرغم من أن البوصلة “تؤشر في اتجاه ما يبدو اليوم مستحيل موضوعيا لكن جاءت الثورة بإحداثيات إمكانه”. ١٥
في الموجة الحالية من التمرّدات في الشرق الأوسط، تعطي الثورة في السودان بعض أهم الرؤى لكل هذه الأمور. وستحاول هذه المقالة رسم صورة للطبقة الحاكمة السودانية وعلاقاتها بالدولة واستكشاف تطوّر الوعي والتنظيم الطبقي بين الناس على الجانب الآخر من الحواجز. ليسوا جميعهم من العمّال بالطبع، ولكني سأجادل بأن التوجيه إلى تطوير تنظيم الطبقة العاملة والثقة السياسية سيكون حاسماً للثوّار السودانيين الذين يريدون تجاوز القيود الحادّة التي تفرضها سياسات “الفترة الانتقالية” وحماية أنفسهم وثورتهم من إعادة تأكيد وحشي لسلطة النظام القديم.
من عصيان جماهيري إلى ثورة نصف مُنجَزَة
بدأت أزمة السودان الثورية مع تمرّد جماهيري في ديسمبر/كانون الأول 2018 كردّة فعل على إجراءات التقشّف اليائسة من الحكومة، والتي زادت سعر الخبز ثلاثة أضعاف بين ليلة وضحاها. واندلعت المظاهرات العفوية في عدة مدن إقليمية وفي العاصمة في أسبوع 18 ديسمبر/كانون الأول. وفي غضون أيام، بدأت الانتفاضة تأخذ أشكالاً أكثر تنظيماً مع الإضرابات من قِبَل الأطباء في بورتسودان، وفي 1 يناير/كانون الثاني أطلق طيفٌ واسع من المنظمات المعارِضة “إعلان الحرية والتغيير”، وهو مجموعة من المبادئ لنقل السلطة إلى حكومة مدنية جديدة. ١٦ كانت القِوى السياسية التي وقَّعت على الإعلان غير متجانسة إلى حدّ بعيد، بما فيها أحزاب معارَضة تقودها شخصيات من النُخبة التقليدية، وممثّلون عن بعض الحركات التي تواصل شنّ كفاح مسلّح ضد النظام، وشبكات أحدث من نشطاء المجتمع المدني، ونقابات مهنية مستقلة، وجمعيات مهنية. وتضمّنت هذه القِوى السياسية بشكل أساسي تجمّع المهنيين السودانيين، والذي أصبح المنظِّم الرئيسي في الانتفاضة على مدى الأشهر المقبلة.
تسارَع إيقاع المظاهرات بشكل ملحوظ في بداية مارس/آذار مع محاولة الإضراب العام الأولى، تبِعتها مبادرة الاعتصامات الشعبية الضخمة خارج المقرّات الرئيسية للجيش في الخرطوم والمدن الإقليمية في 6 إبريل/نيسان، ذكرى الإطاحة بجعفر النميري ديكتاتور السودان العسكري، والتي تمّت في 1985. وكشف الاعتصام خارج مقرّ القيادة العامة للقوات المُسلَّحة السودانية في الخرطوم بسرعة الانقسام المتنامي في أعلى السلطة: عمر البشير، الذي حكم السودان منذ استيلائه على السلطة في 1989، تمّ خلعُه من قِبَل الجنرالات التابعين له في 11 إبريل/نيسان. مع ذلك، لم يستطع المجلس العسكري الانتقالي، والذي أخذ سلطة الدولة من البشير، تسريح الحركة الجماهيرية التي تحكم الشارع الآن. تضخّمت الاعتصامات أكثر واستمر قادة المظاهرات الرئيسيون، بمن فيهم تجمّع المهنيين السودانيين، يطالبون بتسليم السلطة إلى حكومة مدنية، وبدأوا بالمفاوضات مع المجلس العسكري الانتقالي في 13 إبريل/نيسان. وصلت العملية الثورية إلى نقطة تحوّل جديدة في أواخر مايو/أيار، عندما زاد إضرابٌ عام ساري المفعول لمدة يومين في 28 و29 مايو/أيار الضغط على المجلس العسكري الانتقالي للقيام بتنازلات أمام مطالب المتظاهرين في الحصول على حكم مدني.
كانت استجابة المجلس العسكري الانتقالي هي تعبئة الرجال المسلَّحين تحت إمرتِه لمحاولة وقف الحركة الجماهيرية المتقدِّمة. وقاموا بإزالة اعتصام الخرطوم بشكل وحشي في 3 يونيو/حزيران، وقتلوا المئات وضربوا المتظاهرين واعتدوا عليهم واغتصبوهم. ١٧ وكان القائد الذي دبّر ونظّم حملة القمع هو الجنرال محمد دقلو، والمعروف باسم حميدتي، رئيس ميليشيا النظام “قوات الدعم السريع”، والذي أصبح نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي عند سقوط البشير. وكانت قوات الدعم السريع التابعة لحمديتي أصلاً معروفة بأنها نموذج للقتل، والاغتصاب، والابتزاز، والتهريب في السودان. وكان يتمّ إرسالها من قِبَل البشير للقيام بحروبه القذرة في دارفور وجنوب كردفان. لم توقِف المجزرة في الاعتصام، والتي ترافقت مع إقفال الإنترنت، الحركة. وبعد إضراب عام إضافي في 9-11 يونيو/حزيران والتعبئة الجماهيرية لمسيرات تظاهرية في 30 يونيو/حزيران، تمّ توقيع اتفاق نهائي على تسوية محددة لحكومة انتقالية في 17 أغسطس/آب. ١٨
مع أن العديد من السودانيين احتفلوا بالاتفاق، قام قادة حركة التظاهر ب تنازلات كبيرة. بدل المحاربة للحصول على حكومة يقودها مدنيون بالكامل للمرحلة الانتقالية التي تصوّرتها رؤية “إعلان الحرية والتغيير”، وافقوا على تقاسم السلطة مع المجلس العسكري الانتقالي. وكانت ستتمّ الموازنة في “مجلس السيادة”، وهو أعلى هيئة في الهيكليات الحكومية الجديدة، ما بين الأعضاء العسكريين والمدنيين مع ذهاب دور الرئيس خلال أول 21 شهراً إلى الجيش. ١٩ علاوة على ذلك، وعِوَض تحميلهم المسؤولية عن دورهم في عمليات قتل المتظاهرين، وبينها مجزرة 3 يونيو/حزيران، تمّ تأكيد الدور الرئيسي للجنرال عبد الفتّاح البرهان ولحمديتي في “مجلس السيادة” – الأول كرئيس للمجلس والثاني كنائب للرئيس. ٢٠
تنظيم العمّال في قلب الثورة
تتناقض التسوية الرديئة التي أحضرت “قِوى إعلان الحرية والتغيير” إلى الحكومة – إلى جانب الرجال الذين عَمِلوا لمدة شهرين على سحق الحركة الجماهيرية – بشكل صارخ مع آمال التغيير الاجتماعي والسياسي التي بدأت الثورة السودانية تطلق عنانها بين الناس العاديين بعد عقود من الحرب والديكتاتورية والفقر الطاحن. وكان واحد من مصادر القوة الجوهرية للحركة الجماهيرية قدرتها على التحريك والتعبئة، ليس فقط في الشارع، إنما أيضاً في أماكن العمل.
هل يمكن للطبقة العاملة المنظَّمَة تحويل الثورة السودانية إلى تحدٍّ حقيقي للدولة؟ من أجل فتح النقاش حول هذا السؤال، علينا أن نسأل أولاً أين هو الشعب، والذي من دون عمَله، يتقوّض نظام النهب والربح بكامله ويتوقف؟ يزداد تعقيد الصورة مع عقود من الحرب ونزوح اللاجئين ومع تجريد مدّخرات البُنية التحتية العامة للسودان من قِبَل نظام البشير. على الرغم من ذلك، هناك نقاط حيث تستمر التجمعات المركَّزَة للعمّال بالتمتّع بسلطة هائلة مُحتمَلة، بما فيها السلطة على ضروريات الحياة الأساسية التي لم تستطع لا الحكومة الانتقالية ولا نظام البشير تأمينها للملايين من السودانيين. فضلاً عن ذلك، إن التدّخل الجماعي من قِبَل العمّال المنظَّمين في العملية الثورية التي تكشَّفَت جاء بعد سنواتٍ عديدة من تنظيم الإضرابات وأماكن العمل. وقد غذّت بعض هذه الإضرابات مباشرة تشكيل المنظّمات، مثل تجمّع المهنيين السودانيين، وهو الهيئة الأساسية التي قادت الحركة الجماهيرية ضد نظام البشير بشكل يومي في العام الماضي. ٢١ يتداخل إحياء قتال الطبقة العاملة ووعيها مع الانتفاضة الجماهيرية، لكنه بدأ يطوِّر ديناميكية خاصة به. ويطال بشكل جوهري أبعد من “المهنيين”، مثل الأطباء والمحامين الذين لفت دورهم في حركة التظاهرات الشعبية انتباه العالم بينما تداعى البشير وسقط.
يستطيع العمّال في المرافئ التي تشحن المحاصيل والغلال التي زُرِعَت في مزارع وادي النيل إلى السوق وتستقبل إيرادات القمح التي تحافظ على عمل المطاحِن أن يعطّلوا تدفّق الأرباح إلى الطبقة السودانية الحاكمة. وليس من المفاجئ أن عمّال الشحن والتحميل والتفريغ في بورتسودان كانوا واحدة من جماعات العمّال الضخمة المنخرِطة في الإضرابات والتظاهرات للدفاع عن وظائفهم ضد خطط خصخصة المرفأ. وتمّت مواجهة محاولات شركة المرفأ التي تديرها الدولة لإدخال مستثمرين خاصّين في عقود امتيازات طويلة الأمد بمقاومة عنيدة، بما فيها الإضرابات الجماهيرية التي انخرط فيها 20 ألف عامل في مايو/أيار 2018. ٢٢ كما أضرب عن العمل حوالي 1800 عامل في بورتسودان أيضاً في 20 يناير/كانون الثاني 2019، مطالبين مرة أخرى بوقف خصخصة المرفأ الجنوبي. وتمّ تداول فيديوهات على وسائل التواصل الاجتماعي للعمّال وهم يحضرون حاوية شحن لقطع ومحاصرة المرفأ، بينما يعانق النشطاء المحرّكون للتظاهرات ضد الحكومة نشاط عمّال المرفأ كجزء من التمرّد المعمَّم ضد النظام.
وأضرب العمّال عن العمل مجدداً في 18 فبراير/شباط مكرّرين المطالب بوقف عملية الخصخصة. ٢٣ وفي محاولة لاحتواء أزمة المرفأ، أقال رئيس الوزراء المُعيَّن حديثاً، محمد طاهر إيلا، رئيس هيئة الموانئ البحرية. ٢٤ وتمخّض عن المعركة لوقف خصخصة المرفأ ولادة نقابة مستقلة أُنشِئت بعد اجتماع جماهيري للعمّال في 2016 وتمّ تكليفها بالتنظيم ضد خطط الحكومة لبيع جميع الحصص المُربِحة في المرفأ إلى شركات متعددة الجنسيات بعدما رفضت النقابة الموجودة والمدعومة من الحكومة العراك. ٢٥ وربط عمّال المرفأ بشكل علني معركتهم للدفاع عن سُبل عيشهم ووظائفهم مع الكفاح الأوسع ضد النظام. وكانت المدينة واحدة من أوائل المدن التي انضمّت إلى حركة التظاهر في ديسمبر/كانون الأول 2018، وجمع العمّال المرابطون في 28 يناير/كانون الثاني إضرابهم مع إحياء ذكرى مجزرة المتظاهرين من عرقية “بيجا” الأقلّية التي قامت بها قوات الحكومة في 2005. ووَرَد أن العمّال المضرِبين ورجال القبائل الذين أحيوا ذكرى المجزرة اتّحدوا في مظاهرة هتفت “حرية، سلام، عدالة”، وهو الشعار الأساسي للحركة المعادية للحكومة. ٢٦
فيما كانت الانتفاضة تكتسب سرعة ونجاحاً في مارس/آذار، وإبريل/نيسان، ومايو/أيار 2019، بدأ يتحرّك العمّال في قطاعات الصناعات الزراعية الأساسية، مثل مطاحن الغلال ومعامل تكرير السكّر. ودخل عمّال مطاحن الغلال “سيقا” في إضراب في 5 مارس/آذار كاستجابة للإضراب العام الذي دعا إليه تجمّع المهنيين السودانيين. وأخبر النشطاء السودانيون “مدى مصر”، الموقع الإخباري الإلكتروني المصري المستقل، أن المشاركة في الإضراب بلغت حوالي 60 بالمئة، مع تحرّك أكثر من 30 قطاعاً مهنياً. ٢٧ وتضمّنت هذه القطاعات خدمات الصحة، والمدارس الخاصة والعامة، والصيدليات. وقد أقفلت حركة إضراب المحامين المحاكم المدنية، بينما توقف الصحفيون عن العمل في سبع جرائد كبيرة. وأبلغت شركات القطاع الخاص أنها تأثّرت بحركة الإضراب، بما فيها شركات الاتصالات والهاتف المتحرّك، مثل “زين”، و”إم تي إن”، و”إريكسون”. كما أُبلِغ عن إضرابات في شركة صخر للإسمنت. ٢٨ كذلك تأثّرت شركة كنانة للسكّر، من خلال أكثر من 6 آلاف عامل يقطنون في “مدينة الشركة”، بموجة من الإضرابات في بدايات مايو/أيار. وأدرجت تعليقات (بوستات) على وسائل التواصل الاجتماعي مطالب العمّال بإعادة العمّال المُسرَّحِين إلى وظائفهم، واستقالة مدير الموارد البشرية في الشركة، وحلّ النقابة المهنية الموالية للحكومة وتشكيل نقابة جديدة، وإنهاء قمع قوات الأمن للمتظاهرين. ٢٩
لقد لعبت حركة الإضراب التي قام بها الأطباء والعاملون في القطاع الصحي دوراً أساسياً في تطوير أشكال قتالية للنقابة وتنظيم الإضراب في الخدمات الصحية. وانتشر إضراب ضخم للأطباء في 2016 طالبوا فيه بحماية مقدّمي الخدمة الصحية في الخطوط الأمامية من الاعتداءات على 65 مستشفى في أنحاء البلاد بحلول 9 أكتوبر/تشرين أول. ٣٠ كان الطريق من المطالب “الاقتصادية” إلى “السياسية” قصيراً. وفي الشهر نفسه الذي أضرب فيه الأطباء، انضمّت جهات أساسية في التنسيق، “لجنة أطباء السودان المركزية” و”شبكة الصحفيين السودانيين” و”التحالف الديمقراطي للمحامين”، لتشكيل “تجمّع المهنيين السودانيين”. ٣١ ولا غرابة أن الأطباء وغيرهم من العاملين في القطاع الصحي شكّلوا واحدة من أقوى المجموعات المُنظَّمة والمرئية التي قادت رأس الحربة في الانتفاضة التي دامت أربعة أشهر، والتي أدّت إلى سقوط البشير في إبريل/نيسان 2019. بعد بضعة أيام على اندلاع التظاهرات في أواخر ديسمبر/كانون الأول 2018، دعت لجنة أطباء السودان المركزية إلى إضراب تضامني مع المظاهرات سرعان ما انتشر إلى المستشفيات. وأصبح الأطباء أنفسهم أهدافاً للقمع، بينما اقتحمت قوات الأمن المستشفيات وأوقفت أطباء حتى أنها قتلت الدكتور بابكر عبد الحميد وهو يعالج المتظاهرين الجرحى. ٣٢ وأظهرت البيانات التي جمعتها إسراء سراج الدين عن المظاهرات من ديسمبر/كانون الأول حتى مارس/آذار 2019 تنوّعاً كبيراً من العاملين في الصحة المنخرطين في التنظيم عبر أماكن عملهم وشبكاتهم المهنية. بالإضافة إلى الأطباء، لاحظت سراج الدين تظاهرات وإضرابات من قِبَل صيادلة، وأطباء التخدير، وأخصائيّ الأشعة، وعاملين في وزارة الصحة، ومسؤولين في الصحة، وطلّاب يدرسون الطبّ. ٣٣
كما ظهر العاملون في القطاع المصرفي والمالي أيضاً كلاعبين هامّين في تطوير الحركة الثورية أثناء الجزء الأول في 2019. توثّق مجدداً بيانات إسراء سراج الدين، والتي تغطّي أول ثلاثة أشهر من الانتفاضة فقط، تسلسلاً من الحركات التي قامت بها مجموعات متنوعة من عمّال القطاع المالي كدعمٍ للثورة، بما فيها التظاهرات والعصيان المدني والإضرابات. ٣٤
أحضر الإضراب العام في 28-29 مايو/أيار جميع العناصر الأوّلية لتنظيم الطبقة في قوة ثورية متماسكة لأول مرة، كما يوضح هذا التقرير من “شبكة تضامن الشرق الأوسط وشمال إفريقيا”:
توقّف عن العمل موظّفو القطاع العام في البلاد، متحدّين بذلك تهديدات الجنرال حميدتي، نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي وآمِر “قوات الدعم السريع” سيئة السمعة، وهي ميليشيا وحشية مكوّنة من قوات جنجاويد التي أرعَبت دارفور قبل بضع سنوات. يوم الثلاثاء في 23 مايو/أيار، قال حميدتي أنه سيسرّح العاملين في القطاع الحكومي لأنهم شاركوا في الإضراب. كما كان الإضراب قوياً في قطاع السودان الصناعي الصغير، مع إغلاق مطاحن الغلال الكبرى، وإضراب مُنتجي السجائر والزيوت الصالحة للأكل، وانضمام عمّال الإسمنت إلى الحركة. وقالت تقارير إن عمّالاً من قطاع الإنتاج العسكري توقفوا عن العمل، بحسب المحطة الإخبارية المستقلة “راديو دبنقا”. وانضمّ عمّال من القطاع المالي إلى الإضراب بأعداد كبيرة: وقد ذكَر تجمّع المهنيين السودانيين في صفحته على الفيسبوك لائحة بـ27 مصرفاً وشركة خدمات مالية منفصلة شاركت في الحركة في 28 مايو/أيار. وأُغلِقت الصيدليات في أنحاء البلاد إلى جانب المستشفيات والعيادات. ولعِب العاملون في القطاع الصحي دوراً جوهرياً في الحركة الثورية، مع منظمات الأطباء التي وفّرت معظم الأساس التنظيمي للمرحلة الأولى من الانتفاضة. والتحق المدرّسون بالإضراب ونظّموا مظاهرات الشوارع. وانشلّت حركة مراكز المواصلات الضرورية بسبب حركة العمّال، بما فيها المرافئ الرئيسية. وأظهرت الصور على صفحة تجمّع المهنيين السودانيين على الفيسبوك أرصفة الموانئ فارغة من العمّال ولافتات تعلن دعم الإضراب مئة بالمئة. كذلك انضمّ عمّال المطار ومهندسو الملاحة المندية إلى الإضراب، مع تظاهرات حاشدة حصلت في مطار الخرطوم. ٣٥
كان هذا هو الإضراب العام بالطبع الذي أدّى إلى الاعتداء على الاعتصام خارج المقرّات الرئيسية للجيش في الخرطوم من خلال الطيف الكامل لـ”هيئات الرجال المسلّحة” (وليس فقط المدبِّر الأساسي، حميدتي وقواته للتدخل السريع). مع ذلك، من اللافت أن الجيش والميليشيات لم يهاجموا العمّال المنظَّمين مباشرة، بدل ذلك ذهبوا إلى قلب الانتفاضة الرمزي ساعِين إلى إجبار المضرِبين على الخضوع بقوة عبر القتل وتشويه حلفائهم عند الحواجز، وبالذات الفئة الشابّة من رجال ونساء الأحياء الفقيرة، مثل قلقلة وكولومبيا. واحتلّت “قوات الدعم السريع” البنك المركزي، وبورصات الاتصالات، ومراكز المواصلات الهامّة، لكنها لم تملك لا الثقة ولا العدد لقتل عمّال في المرافئ، ومطاحن الغلال، والخدمات العامة. وهذا السبب الرئيسي لعدم نجاح المجزرة على الاعتصام في إيقاف الحركة من أسفل كما كان يأمل حميدتي وأتباعه السفّاحون، ولكنها أدّت إلى استقطابها بحسب المناقشة أعلاه، ودفعت قادتها إلى رفض العروض للحصول على مزيد من التنازلات من الجنرالات.
رسم خارطة الطبقات والسلطة في السودان
بالعودة إلى مخطط لينين عن الأزمة الثورية، ما الذي يوجد إذاً في الطبقة الحاكمة السودانية ولم يعد يستطيع “الحكم بالطريقة القديمة؟”. لقد تعدّلت هذه الطبقة بشكل معمّق جرّاء أنماط النمو الاقتصادي المُدمَج وغير المتكافئ في السودان، والذي بزَغ خلال اندماج البلاد داخل النظام الرأسمالي العالمي. إن الدولة السودانية والطبقة الحاكمة التي تشكّلت نتيجة الصراعات للسيطرة واستخدام الأرض، ما زال مُنتَجُها وشعبها مُسيطَر عليهم بانعدام المساواة المستمر ما بين المركز والأطراف. وتمتلك هذه الأنماط جذوراً تاريخية تعود إلى حقبة الحكم العثماني أثناء القرن التاسع عشر وما تبِعَهُ من السيادة الإنجليزية والمصرية المشتركة التي خلقت “منطقة تراكم مركزية” يوجد في قلبها “نظام ملكيات كبرى كانت جزءاً من شبكات متَّصلة عالمياً للقطن الموجَّه للتصدير والاقتصاد الزراعي للحبوب”. وكانت الغارات على “المناطق الطرفية للافتراس” في الأصل من أجل تغذية تجارة العبيد ولاحقاً عَمِلت كمحميات كادحة مغلقة لاقتصاد المزارع. ٣٦
أثناء العصر الكولونيالي، كان الكفاح ضد الاحتلال البريطاني-المصري المشترك للسودان يُصنِّف أو يكبح الصراعات ما بين أجزاء المجتمع السوداني التي كانت تأمل إمّا بالحفاظ على أنماط النمو غير المتكافئ هذه أو فكِّها. مع ذلك، انفجرت هذه الصراعات خلال سنوات الستينات تحت الدولة المستقلة مع انبثاق الحركات المسلّحة في الجنوب مطالِبة بتصحيح عقود زمنية من انعدام المساواة الاقتصادية والتهميش السياسي. مع المداخيل في الجنوب التي تعادل فقط ثلث المستوى في الولايات الوسطى، كانت الركائز الاقتصادية لشكوى المظالم هذه واضحة للعيان. ٣٧ حاول جنود الجيش بقيادة جعفر النميري، والذي استولى على السلطة في 1969، حلّ “السؤال الجنوبي” عبر بناء دولة ستدير مصادر الجنوب من خلال الاستثمار في مشاريع زراعية على نطاق واسع، وفي الوقت نفسه عرض مواقع في النظام على السياسيين الجنوبيين والقادة العسكريين المستعدّين للتحالف معهم. وبتأثّر قوي من أنظمة رأسمالية الدولة في الكتلة السوفياتية والمحاولات المشابهة التي تحدث في مصر، والعراق، وسوريا، وليبيا لحلّ مشاكل النمو غير المتكافئ عبر استثمار ضخم من الدولة في الزراعة والصناعة، قدّم نظام النميري في البداية أيضاً وعداً بإعادة توزيع بعض الثروة على المناطق الطرَفِية عبر استثمار حكومي موازٍ في الخدمات العامة ومشاريع التنمية الاجتماعية.
بالكاد في غضون عشر سنوات، كان مشروع النميري ينهار، وبدأ يبحث عن حلفاء جدد داخل السودان وعن طرق لإعادة توجيه سياساته الاقتصادية نحو مراكز أساسية لمراكمة رأس المال تكون أكثر ديناميكية، وبالذات كتلة رأس المال الإقليمية القوية الناشئة في الخليج. وشكّل تحالفاً سياسياً مع السياسي الإسلامي حسن الترابي في أواخر سنوات السبعينات، والذي وفّر بصورة منظّمة الفرصة للقيام بالأمرين. كان أول مشروع مشترك بين النميري والترابي هو خلق قطاع مصرفي إسلامي رافقه دعم متحمّس من رأس مال الخليج.
ساعدت المصارف هذا التحالف على بناء قاعدة انتخابية من تجّار المناطق الحضرية الذين كانت لديهم، حتى اللحظة، قدرة ضئيلة على الوصول إلى رأس المال وترسيخ وضعية متسلّطة في تمويل وإدارة التحويلات المالية للعمّال السودانيين المهاجرين إلى شبه الجزيرة العربية، وتجارة استيراد وتصدير البضائع الاستهلاكية – تماماً بالتزامن مع دخول النظام العالمي الجديد القائم على هجرة العمل، ورأس المال التمويلي، والتجارة الدولية. استعملت حركة الترابي لغة الشريعة للتوفيق ما بين اهتمامات القِوى المجتمعية الجديدة واتجاهات الاقتصاد العالمي. ودعمت اليد الخفيّة الإسلاميين. ٣٨
لم يستطع النميري تجاوز المراحل الصعبة، وشاهد انهيار نظامه في موجة من تظاهرات الإضرابات الحاشدة في 1985، ولكن الاتحاد العسكري-الإسلامي استطاع النجاة وأخذ السلطة مجدداً في 1989 مع الانقلاب الناجح لعمر البشير.
في هذه الأثناء، انتقل الآن مركز الجاذبية في الزراعة من الجنوب ليعود إلى الوسط ذي الطبيعة النهرية مع ظهور اقتصاد مَزارع جديد يُنتِج العلف الحيواني للتصدير إلى مستثمِرين من دول الخليج والشرق الأوسط التي تمتلك ثروات نقدية إلا أنها فقيرة في الأغذية. ٣٩ استأجر مستثمِرون الأرض بمبالغ رخيصة ووصلوا إلى إمدادات وافرة من الماء الآتي من النيل بينما نزعوها بعنف من المزارعين المحليين والصناعات المحلية صغيرة النطاق بمساعدة الهيئات العسكرية وشبه العسكرية المتحالفة مع النظام السوداني.
لم تتبع جميع الاستثمارات الزراعية الجديدة هذا النموذج، والذي يبدو أنه يعود إلى حقبة سابقة من الرأسمالية الكولونيالية التي تنتزع الأرض حيث تُستخرَج الأرباح بينما يُدفع لأصحاب الأرض المحليين الإيجار. تأسست شركة سكر النيل الأبيض، على بُعد 170 كيلومتراً من الخرطوم، في 2007 وفتحت إنتاجها التجاري في 2012. المصنع الذي يُنتِج السكر ومحلول الإيثانول والعلف الحيواني، ويزرع أكثر من 150 ألف فدانٍ من قصب السكر ومحاصيل أخرى تُدرّ أموالاً نقدية، استُثمِر فيه مليار دولار أميركي أتى من رابطة رأس مال دولة محلي وإقليمي ورأس مال خاص. ومن اللاعبين المحليين الأساسيين حكومة السودان، وبنك السودان المركزي، وبنك الخرطوم، وشركة سكر كنانة، وهي واحدة من أكبر الشركات الزراعية في السودان. ٤٠ وتمّ تمويل المشروع أيضاً من قِبَل الهيئة العربية للاستثمار والإنماء الزراعي، وصندوق أبو ظبي للتنمية، والصندوق السعودي للتنمية، وصندوق أوبك للتنمية الدولية، والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي. وقدّم بنك التنمية الإسلامي في جدّة قرضاً بقيمة 41 مليون يورو. ويُبيّن مجلس إدارة شركة سكر كنانة شبكة شبيهة من التعاملات ما بين رأس مال الدولة السودانية والخليج أن غالبية المدراء الفاعلين إمّا كويتيون أو سعوديون. ٤١
كما تظهر الروابط العميقة أيضاً ما بين نظام البشير وغالبية اللاعبين في قطاع تصنيع الأغذية من خلال الحوار المتبادل بين البشير نفسه والقاضي في محاكمته عن الفساد. وكان العرض المركزي في المحاكمة القضائية للقضية اكتشاف ملايين الدولارات في مسكن البشير، الرئيس السابق الذي اعترف بأنها كانت هدية شخصية من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. وعندما سُئِل لماذا لم يودع المال في بنك السودان المركزي، قال البشير للقاضي إن الأعمال الورقية الرسمية كانت ستكون عملية مرهقة (وكان ليخسر مبلغاً معتبراً من المال بسبب الفرق بين سعر صرف العُملة الرسمي والسعر في السوق السوداء). من حسن حظ البشير أنه استطاع اللجوء إلى شبكة علاقاته الشخصية لمساعدته:
قال: “دعوت طارق”. فسأل القاضي المستغِرب من هو طارق؟ الرئيس خلف القضبان: “طارق… إنه متزوّج من إحدى قريباتي”. الرجل موضع السؤال هو طارق سر الختم، مدير “مطاحن سين للغلال”، وهي شركة لديها ارتباطات مزعومة مع جهاز الأمن والمخابرات الوطني. وله حصة كبرى في سوق استيراد القمح المربِح جداً في السودان وكان سيكون بحوزة طارق مبلغ نقدي كافٍ لتبديل الدولارات الرئاسية. ٤٢
قد يكون سوق استيراد القمح مربِحاً لأشخاص مثل طارق، ولكن الالتواءات في السلعة الدولية والأسواق المالية تسبّب البؤس لملايين المواطنين السودانيين. وأدّت الشجارات بين إدارة “سيقا”، أكبر قطاع خاص في المطاحن بالسودان، وبين الحكومة حول الفجوة في سعر الدولار الرسمي لاستيرادات القمح مقارنة بأسعاره في السوق السوداء إلى إغلاق مطاحن سيقا وحدوث نقص حاد في الطحين في 2015. ٤٣
لن يكتمل أي رسم تخطيطي للطبقة السودانية الحاكمة من دون ذِكر طفرة النفط التي زادت وقود مرحلة مُسكِرة من النمو الاقتصادي من سنوات التسعينات إلى منتصف الألفين، والتراجع الذي أعقب انفصال جنوب السودان آخذاً معه ثلث مدخول الحكومة. ومع وجود الغالبية العظمى من مخزون النفط في الجنوب ووجود الأنابيب ومصافي التكرير ومحطات تصدير النفط في الشمال، جرّ تقسيم الغنائم ما بين النُخَب في البلدين ثروات على المسؤولين وزوّد الفساد في كلا النظامين مع تسرّب القليل من الثروة إلى الأسفل ليطال الناس العاديين. وتضمّنت معاهدة السلام المُوقَّعة بين الحركات المسلّحة الكبرى في الجنوب وفي حكومة الخرطوم في 2005، والتي مهّدت الطريق أمام استفتاء شعبي والاستقلال النهائي لجنوب السودان في 2011، اتفاق تقاسم العائدات من النفط. ٤٤
أدّى التراجع المفاجئ في عائدات النفط إلى حكومة البشير إلى اندفاع يائس لإيجاد صناعات استخراجية لسدّ الفجوة، بما فيها مناجم الذهب. ودفع قرار الحكومة بفتح مناطق واسعة من البلاد أمام المنقّبين في 2015 مئتي مؤسسة محلية ومئات الآلاف من عمّال المناجم “حِرفيي التعدين” إلى استخدام أدوات بدائية وأساليب خطيرة في سباق حُمّى الذهب (الثروة السريعة). ٤٥ وكان أحد أكبر المستفيدين من حُمّى الذهب حميدتي وميليشيا “قوات الدعم السريع” التابعة له. ٤٦ وكان صعود حميدتي إلى السلطة، أولاً تحت البشير الذي استخدم “قوات الدعم السريع” لتقاتل حروبه القذرة داخل وخارج السودان، ثم تحت المجلس العسكري الانتقالي الذي خلع الديكتاتور وحلّ محلّه، قد تمّ تمويله من عائدات منجم الذهب في جبل عامر في شمال دارفور، والذي استولت عليه “قوات الدعم السريع” في 2017. ٤٧
حميدتي هو عنصر التنسيق الأساسي لما تصِفه منظمة الشاهد العالمي “غلوبال ويتنس” غير الحكومية بأنه “المجمّع الصناعي- شبه العسكري”، وهو شبكة شركات يرأسها أعضاء من عائلته وتهتم بالمواصلات، والسياحة، والبُنى التحتية، والحديد والفولاذ، بالإضافة إلى استخراج الذهب، وأنشطة غير مشروعة مثل تهريب المخدرات، والإتجار بالبشر. ٤٨ مع ذلك، إن النفوذ الاقتصادي لقوات الدعم السريع مبنيّ على الفعّالية الوحشية في نوع آخر من الأعمال: عمل التطهير العرقي والحرب. وتكمن جذوره في ميليشيات “جنجاويد” التي شكّلها نظام البشير بينما سعت الدولة إلى القضاء على المقاومة المسلّحة في منطقة دارفور في 2003 والتي أثارها إهمال الحكومة طويل المدى وتهميش المنطقة. وحرّك النظام العرب من جماعات البدو الرحّل التقليديين بشكل كبير للهجوم على المجتمعات الزراعية في حملة إرهاب عنصرية قتلت مئات الآلاف وقادت الملايين في دارفور إلى الهروب من منازلهم منذ 2003. وكما أوضح تقرير من “مشروع كفاية” في 2013 إن هذه الحملات طوّرت منطقاً اقتصادياً عديم الرحمة يغذّيه “اختطاف الأرض؛ والسيطرة المتماسكة على مناجم الذهب المُكتشَفة حديثاً؛ والتلاعب بمؤتمرات التصالح لزيادة “نقود الدم”؛ وتوسيع حماية شبكات الاحتيال والتهريب؛ والمطالبة بالفِدية؛ والقيام بمهمات سرقة البنوك؛ واستئناف النهب على نطاق واسع، والذي وَصَم مراحل سابقة من النزاع”. ٤٩
وأثبت كلٌّ من قادة “قوات الدعم السريع” ونظام البشير مهارتهم في تسليع أجساد الرجال الشباب الذين انضمّوا إلى الميليشيا، وتوظيفهم كمرتزقة للحلفاء الإقليميين، مثل السعودية، والتي كانت بحاجة ماسّة إلى جنود يقاتلون حتى الموت تُرسلهم إلى اليمن. ٥٠ وفرض البشير رسوماً عالية لخدماته في إدخال الرجال الشباب اليائسين من دارفور إلى الحرب الأهلية اليمنية: أخبر محاكِميه في محاكمته عن الفساد أنه أُعطِيَ 73.8 مليون جنيه نقداً من قِبَل السعودية “للاستخدام الشخصي”. ٥١ كما أُبلِغ أيضاً عن تعاقد “قوات الدعم السريع” في أغسطس/آب 2019 لتأمين الحماية لمنشآت النفط الليبي. ٥٢
إن إمبراطورية “قوات الدعم السريع” الاقتصادية فاحشة الغنى لدرجة أن حميدتي تفاخر في إبريل/نيسان 2019 بأنه أودَع مليار دولار أميركي في بنك السودان المركزي من أجل درء خطر حدوث انهيار اقتصادي في أعقاب سقوط البشير. ٥٣ لاحقاً في ذلك العام، قيل إنه بادر وتدخّل لتخفيف مشاكل السيولة النقدية في السودان من خلال دفع تكلفة طبع أوراق مالية جديدة. ٥٤ وفي دوره الجديد كنائب رئيس لمجلس السيادة في الحكومة الانتقالية، كان حميدتي سريعاً في تأكيد ولائه للدولة، حتى أنه وعد على ما يبدو بتسليم جبل عامر لسيطرة حكومة مركزية وتحويل عائداته إلى ميزانية الدولة. ٥٥
هل استيعاب حميدتي المروَّض مع بقية مجمّعه الصناعي-شبه العسكري من قِبَل الدولة سيحوِّلهم إلى رجال أعمال محترمين وموظّفي خدمة مدنية ومسؤولين عسكريين؟ المشكلة في هذا النوع من التمنيات أنه يتجاهل العلاقة ما بين الدولة والطبقة الحاكمة العريضة التي يُشكّل حميدتي الآن جزءاً لا يتجزأ منها. إن خدمة ماكينة مراكمة رأس المال وليس ببساطة المهارة في تحصيل أموال طائلة بطريقة غير شريفة هي التي دفعت تاجر الجِمَال السابق والجنجاويد المتمرّد إلى داخل قلب الدولة السودانية. كما أنه يجلس محصَّناً عند الوشائج ما بين مصالح الطبقة الحاكمة، والتي تشكّلت في السودان حول الأعمال الزراعية وتجارة الاستيراد والخدمات المالية والصناعات الاستخراجية، وبين شركائها الأكبر في السعودية والإمارات العربية المتحدة.
وبالتالي السؤال ليس إذا كان يمكن لثورة السودان نصف المُنجَزَة احتواء شغف حميدتي ضمن إطار عمل الدولة القائمة، ولكن بالأحرى ما الذي يمكن أن يحوّل الحركة الجماهيرية التي صدَّعَت سلطة البشير إلى قوة قادرة على كسر السلطة السياسية والاجتماعية لكل الطبقة الحاكمة؟
المواجهة مع “الدولة العميقة”؟
عند كتابة هذه المقالة، أصبح الإلحاح في الإجابة على هذا السؤال أكثر استعجالاً بشكل يومي. وصلت العملة السودانية إلى أدنى مستوياتها المُسجَّلَة أمام عُملات العالم في 27 فبراير/شباط فزادت الارتفاع الحاد في أسعار البضائع الأساسية والنقص الشديد في الخبز والوقود في بعض الولايات. ٥٦ في “الجزيرة”، ذُكِر أن سعر رغيف الخبز في السوق السوداء وصل إلى 5 جنيهات سودانية في 10 فبراير/شباط مرتفعاً بذلك من سعر 3-4 جنيهات في الأسبوع السابق، وأكثر من ضعف السعر في سبتمبر/أيلول 2019. ٥٧ دعت التظاهرات، والتي حدثت في الخرطوم وولاية النيل الأبيض، إلى الوصول إلى الخبز وإلى الوقود معاً وإقالة أعضاء النظام القديم الذين ما زالوا يمتلكون سلطة ضخمة داخل أجهزة الدولة. ٥٨ وفيما استمرت طوابير الخبز والوقود تكبر، تجادل الخبراء حول أفضل وسيلة للتعامل مع الأزمة الاقتصادية. كما هو متوَّقَع، كانت الرسالة من أولئك الذين يتبعون السيناريو المكتوب من قِبَل المؤسسات المالية الدولية، مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، تدعو إلى تعميق إصلاحات اقتصاد الليبرالية الجديدة وبينها رفع الدعم عن الخبز والوقود. ٥٩
في هذه الأثناء، بدأت تتسارع وتنجح إجراءات اجتثاث بعض عناصر النظام القديم من المؤسسات المالية والإعلامية. وحلّت لجنة الحكومة الانتقالية لمحاربة الفساد مجالس إدارة بنك السودان المركزي و11 مصرفاً آخر، وجمّدت حسابات بأسماء 47 قائداً في نظام البشير. ٦٠ كما أُغلِقت مؤسسات الجرائد والإعلام التي كانت لها صلات مع مسؤولين في النظام السابق. ٦١
حتى الآن، بالكاد لمس تطهير النظام القديم مؤسسات القمع في الدولة. كانت شخصيات كبيرة في أجهزة الأمن، مثل قائد “جهاز الأمن والمخابرات الوطني” صلاح قوش، من الضحايا الأولى للثورة: استقال قوش في 13 إبريل/نيسان، بعد يومين على الإطاحة بالبشير، وجعل المجلس الانتقالي العسكري 98 مسؤولاً كبيراً آخر في جهاز الأمن والمخابرات الوطني “يتقاعدون” في 11 يونيو/حزيران. ٦٢ مع ذلك، كان لدى وكلاء جهاز الأمن والمخابرات الوطني المسلّحين السابقين ثقة كافية للسيطرة والاستيلاء على أمن الأبنية بالقرب من مطار الخرطوم، ما أدّى إلى تبادل إطلاق النيران مع القوات المسلّحة دام عدة ساعات، بينما أغلق وكلاء جهاز الأمن والمخابرات الوطني الآخرون حقول النفط في دارفور احتجاجاً على طردهم من قِبَل الحكومة الانتقالية. ٦٣
غير أن بقية هيئات رجال النظام المسلّحة، وبينها كلّ من القوات المسلّحة وميليشيا “قوات الدعم السريع” التي يقودها حميدتي، موطَّدَة بشكل راسخ في الحكومة الانتقالية. بعيداً عن إصلاح نفسها، قمعت قيادة الجيش وكبحت المسؤولين الصغار والجنود الذين خاطروا بحياتهم للدفاع عن المتظاهرين قبل سقوط البشير من الحكم. خرج الآلاف إلى شوارع الخرطوم وغيرها من المدن في 20 فبراير/شباط للاحتجاج، وقوبِلوا بعنف هائل من الشرطة، والذي شبّهه تجمّع المهنيين السودانيين وحزب المؤتمر الشعبي بقمع التظاهرات الذي حصل تحت نظام البشير. ودعا تجمّع المهنيين السودانيين إلى صرف وزير الداخلية ورئيس الشرطة. ووثّقت منظمات حقوق الإنسان كيفية أخذ “قوات الدعم السريع” دور جهاز الأمن والمخابرات الوطني القديم في قمع منتقدي الحكومة. ٦٥
كذلك يعمل جنرالات البشير لتحسين خطوط دعمهم الدولية كما أظهر الاجتماع المفاجئ بين عبد الفتاح البرهان، رئيس “مجلس السيادة” في الحكومة الانتقالية، والرئيس الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 3 فبراير/شباط. بناء على التحفيز المباشر من قِبَل وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، وبمساندة من الإمارات العربية المتحدة والسعودية ومصر، يتجلّى بوضوح أن البرهان يسعى إلى الاستفادة من تدفق الأسلحة والتمويل اللذين يكونان عادة ثمن مثل هذه العروض العامة تحية تكريم لدور إسرائيل كركيزة أساسية للهيمنة الإمبريالية الأميركية في الشرق الأوسط. ٦٦ في هذه الأثناء، أجبرَت تظاهرات عائلات الشباب السودانيين الذين خُدِعوا لتوقيع عقود مع شركة أمن إماراتية أرادت أن ترسلهم إلى ليبيا لحماية منشآت النفط على القيام بانعطافٍ مفاجئ وإجلاء 50 من الإمارات العربية المتحدة. وفي خطوة متلّهفة للهرب من دوّامة الأزمة الاقتصادية، وقّع الشباب السودانيون العقود معتقدين بأنهم سيحرسون مراكز تسوّق في دولة الخليج، ولكن قيل لهم إنهم يواجهون ثلاثة أشهر من التدريب العسكري والتعيين كمرتزقة في ليبيا. ٦٧
بولانتزاس ولينين والرفيق خميس: نظريات وتطبيقات “ازدواجية السلطة”
مثلما لاحظ “الجزولي” مُحِقّاً، تضع جميع هذه الأحداث السؤال عن سلطة الدولة في بؤرة التركيز المركزية بالنسبة للثوريين في السودان. فضلاً عن ذلك، تسلّطُ الأحداث الضوء على مشاكل حدّ الثورة في كفاحٍ يتمّ تعريفه بشكل ضيّق ضد نظام البشير لـ”الإنقاذ الوطني”، من دون مواجهة أسئلة جوهرية أكثر حول كيفية عمل الدولة وعلاقتها مع الطبقة الحاكمة التي كان البشير والمقرّبون المباشرون منه جزءاً واحداً فقط منها. هكذا، يخدم النقاش حول “إعادة تشكيل” أو “إعادة ترتيب” الدولة، أو “العودة إلى المبادئ التأسيسية”، إخفاء المشكلة الأصلية بحسب ما يجادل الجزولي.
ذهبت سلطة الإنقاذ لكن بقيت الدولة التي استقر نعتها بالعميقة أي جملة المصالح وشبكة العلاقات التي تسند هيمنة القوى الاجتماعية الغالبة وتفرض تحيز الدولة الاستراتيجي لصالحها. ٦٨
استناداً إلى نظرية خوان كارلوس مونوذيرو عن تراجع وانهيار حكومات اليسار مع حركة الجَزْر في “الموجة الوردية” بأميركا اللاتينية، اتّجه الجزولي إلى كتابات اليوناني الماركسي نيكوس بولانتزاس لإلقاء الضوء على العلاقة بين سلطة الطبقة الحاكمة والدولة.
الدولة ليست أداة محايدة في يد أصحاب السلطان السياسي أو دارا خالية للإيجار. يجد كل ساكن جديد لدار الدولة أثرا من سابقيه في هندستها وأثاثها وديكورها، تنتظره المتاريس على المداخل والجيوب المفخخة في الزوايا كما قد يختبئ القناصة خلف باب المطبخ متحفزين. ٦٩
بالنسبة للجزولي، هؤلاء الذين يتخيّلون أن “رد عداد الدولة إلى صفر” في مؤسسات الدولة السودانية القائمة سوف يحلّ مشكلة “التحيّز الاستراتيجي” هم مخطئون تماماً. إذا أرادوا فهم حقيقة ما هو في خطر أثناء “المرحلة الانتقالية”، عليهم بدل ذلك تكييف أنفسهم مع الدولة القائمة. هكذا جادل الجزولي بأنه يجب على الثوريين السودانيين الرجوع إلى “ازدواجية السلطة”، والتي حدّدها لينين عقب عودته إلى روسيا في إبريل/نيسان 1917.
حدّد لينين في (المجالس) السوفياتية لممثلي العمّال والجنود “حكومة أخرى… تتواجد بالفعل وتكبر” إلى جانب الحكومة المؤقتة التي أخذت السلطة بعد سقوط القيصر في فبراير/شباط 1917. في إبريل/نيسان 1917، بقيت هذه الحكومة البديلة “ضعيفة وبدائية”. مع ذلك، جادل لينين بأنها يمكن أن تصبح:
ديكتاتورية ثورية… سلطة مبنية مباشرة على الاستيلاء الثوري، على مبادرة الشعب المباشرة من أسفل، وليس على قانون تمّ سنّه من قِبَل سلطة دولة مركزية. إنها نوع من السلطة مختلف تماماً عن تلك الموجودة عموماً في الجمهوريات الديمقراطية البرلمانية البرجوازية من الشكل المعتاد الذي ما زال سائداً في دول أوروبا وأميركا المتقدّمة… هذه السلطة هي من نفس شكل سلطة كومونة باريس في 1871. ٧٠
ما الذي يعنيه بشكل ملموس الحديث عن “السوفيتات” في السودان؟ كما لاحظ الجزولي، استبعدت الشخصيات التاريخية في اليسار السوداني فكرة إمكانية ظهور مثل هذه الأشكال التنظيمية في السودان. وفي 1963، اشتهر الأمين العام للحزب الشيوعي السوداني، عبد الخالق محجوب، بانتقاده الحاد لعضو غير محظوظ في الحزب اسمه الرفيق خميس، والذي يبدو أنه حاول إقناع العمّال في بورتسودان بإقامة نموذج سوفياتي، حول توقّعاته “البرجوازية الصغيرة” بأن أشكالاً تنظيمية من روسيا في 1917 يمكن إعادة غرسها في مجموعة ظروف جديدة. ٧١
ربما كان الرفيق خميس سابقاً لوقته بشكل ما – كانت ستكون لحظة مواتية أكثر لاختبار ما إذا كان نوع التنظيم السوفياتي يناسب احتياجات تطوير الكفاح الطبقي في السودان في السنة اللاحقة أثناء التظاهرات الحاشدة التي اجتاحت البلاد خلال “ثورة أكتوبر” في 1964. ٧٢ مع ذلك، إن الجزولي محقٌّ في فتح باب النقاش حول سؤال ازدواجية السلطة، حتى لو أننا ما زلنا في هذه المرحلة في عالم التأكد من صحّة اتجاه البوصلة مع الاحتمالات التي هي في طور النمو. ٧٣ توجد فكرتان أساسيتان هنا تتطلّبان التأكيد عليهما. أولاً، إن الثورة بحدّ ذاتها، وليس أمنيات الثوّار الذّاتية، هي التي ترسم خارطة الطريق أمام تحقيق المستحيل. ثانياً، تماماً مثل لينين في إبريل/نيسان 1917، على الثوّار في السودان اليوم اتخاذ القرار بشأن اعتماد “رهان الأمل” على هذه الاحتمالات والعمل باتجاه تحقيقها بالفعل. ٧٤
واحدة من رؤى لينين تستحق إعادة التكرار هنا. بدل رؤية ازدواجية السلطة كتعبير عن ظروف اجتماعية وسياسية فريدة لروسيا، شدّد على أن بديل تمرّد الناس على الدولة القائمة كان مربوطاً بعملية تسييس سريعة لملايين الناس العاديين خلال جميع الأزمات الثورية:
من وجهة نظر العلم والسياسات العملية، أحد الأعراض الرئيسية لكل ثورة حقيقية هو الزيادة السريعة والمفاجئة والعاجلة غير العادية في عدد “المواطنين العاديين” الذين يبدؤون بالمشاركة النشِطة والمستقلّة والفعّالة في الحياة السياسية وفي تنظيم الدولة. ٧٥
يمكن الإضافة هنا أن هذا التسييس في المكان المناسب مربوط بطبيعة الدولة في المجتمع الرأسمالي، وبالذات كيفية انغراسه في حياة الناس اليومية، موفّراً لهم الخدمات والعمل، ومنظِّماً تعاملاتهم التجارية مع بعضهم البعض، وكذلك إخضاعهم للقمع والمراقبة.
عندما يبدأ “الشعب” بالتحرّك نحو أزمة ثورية، من المستحيل تقريباً ترتيب تفاصيل أين ينتهي النظام وأين تبدأ الدولة. إن فعّالية التظاهرات الحاشدة، والعصيان المدني، والإضرابات جميعها تشعل في النهاية قوة الناس العاديين لتعطيل ماكينة الدولة نفسها، وليس فقط لعزل الفاسدين في التركيبة. مع ذلك، يجب أن يملأ شيء ما الفراغ الذي خلّفه التعطيل وإلا يبدأ نسيج المجتمع بالتمزّق: يحتاج الناس لوضع طعام في الأفواه، ورعاية أطفالهم، والحصول على علاج طبي، والوصول إلى الكهرباء والماء، والتواصل مع بعضهم البعض. عندما يضعف أداء الدولة أو يتعطّل، من الطبيعي أن يبدأ الناس باستخدام مصادرهم الجماعية لتأمين هذه الأشياء.
لهذا السبب، تكون ازدواجية السلطة وضعاً محتمَلاً في كل “ثورة حقيقية”، كما قالها لينين. إن تأكيد لينين على أن الأزمات الثورية تقود حشود الناس العاديين إلى البدء “بالمشاركة النشِطة والمستقلّة والفعّالة في الحياة السياسية وفي تنظيم الدولة” قد ثبت مراراً وتكراراً منذ 1917 – من إسبانيا في 1936، وتشيلي في 1973، وإيران في 1979، وبولندا في 1980، وبوليفيا في 2003، ومصر، وتونس وسوريا في 2011-2012 إلى الجزائر والسودان نفسها خلال السنة الماضية. وفي جميع هذه الأزمات الثورية، سيطر الناس العاديون لفترة قصيرة، إلى درجة ما، على سلطة وأداء الحكومة في الحياة اليومية.
في جميع هذه الأزمات الثورية، يستولي الناس العاديون، إلى حدّ ما، على سلطات وأداء الحكومة في الحياة اليومية. ولكن ما لم ينجزوه كان تكرار نتيجة ازدواجية السلطة في روسيا من خلال نزع برجوازية الدولة واستبدالها بالقوة. وكان السبب أنه في معظم هذه الأمثلة، لم تُترجَم شروط الاحتمال هذه إلى مؤسسات فعّالة وقادرة على جعل الطاقات التي حرّرتها الثورة بين الناس العاديين جماعية ومنظَّمَة في أشكال يمكنها تأدية دور قوة سياسية مضادة حقيقية ضد الدولة القائمة.
في السودان، كما لمّح الجزولي مُحِّقاً في مقالاته الحديثة، اتّخذت “لجان المقاومة” المبنية على أساس الحيّ في بعض الأوقات مظاهر حكومة ثورية محلية، وبقي بعضها نقطة رئيسية لتنظيم حركة شعبية ما زالت تسعى إلى تعميق الثورة وتواصل مواجهة ومقاومة أجهزة الأمن والأجهزة العسكرية. من جذورها “كوحدة مناورة ولوجستيات في الحيّ مسؤولة عن تخطيط وتنفيذ المظاهرات”، ارتقت لجنة المقاومة إلى “شكل جديد من السلطة السياسية يتحدّى وغالباً ما يزيح الأعضاء الدقيقة لسلطة الدولة” أثناء مسار انتفاضة 2019. ٧٦ وكان الطريق من التعبئة حتى الحكومة الثورية المحلية مدفوعاً من قِبَل المواجهة مع ما يمكن تسميته “الدولة السطحية”، وهي تجلّيات الدكتاتورية في الحياة اليومية. في السودان، كان شكل “الدولة السطحية” التنظيمي الأوّلي هو ما يُسمى “اللجنة الشعبية”.
تسرّبت اللجان الشعبية وبطاركتها الصغار إلى حياة المواطنين اليومية. كانوا يصدِرون شهادات السكن، والوفاة، وفقر حال، ويراقبون السلوك الأخلاقي والسياسي. حتى أن أحكامهم كانت تحدّد النساء اللاتي يعتبرنَ غير شرعيات جنسياً ومُبعَدات اجتماعياً، ومن بينهنَّ أمهات عازبات مؤَهَلات للحصول على استحقاقات الإعانة الاجتماعية. كما كان للجان سلطة توزيع الموارد المشتركة على المستثمِرين، مثل ساحة الحيّ أو ملعب كرة القدم، أو العيادة المحلية أو وحدة المستوصف، وغالباً ما كان يتضمّن ذلك دورات من الرشاوى والمضاربة. سياسياً، تصرّفت هذه اللجان على أنها اليد الطولى لحزب المؤتمر الوطني الحاكم وكانت مسؤولة عن التعبئة الانتخابية والإدارة التفصيلية لشبكات الرعاية. ٧٧
كانت زعزعة ثم كسر سلطة اللجان الشعبية مسألة أساسية لنجاح الانتفاضة بينما دعا قادتها المواطنين المتمرّدين إلى مواجهة مباشرة مع رجال الهيئات المسلّحة في صميم الدولة. وزوّدت لجان المقاومة الاعتصامات الضخمة خارج المقرّات الرئيسية للجيش السوداني في الخرطوم في 6 إبريل/نيسان. حرّكوا الناس للتظاهرات، وجمعوا المال لعلاج الجرحى، ونظّموا الأطعمة، وخلقوا مساحات مفتوحة في الأحياء للحوار والنقاش. ولما وصلت المظاهرات الشعبية إلى ذروتها وبدأ الجنرالات الذين أسقطوا البشير يرتعشون ويبحثون عن تنازل مع المجموعات المعارِضة التي تقود الحركة الجماهيرية، قدّمت العديد من لجان المقاومة عرضاً للسلطة المحلية، واستولت بشكل ملموس على مدّخرات اللجان الشعبية وحلّت محلها.
مع ذلك، كما يوثّق الجزولي، إن الشخصية السياسية للجان المقاومة، وبالذات حيث يرجّح وقوفها فيما يتعلّق بالقضايا التي ستحدّد مصير الثورة، تبلور شكلها عن طريق الشخصية الاجتماعية للمناطق التي تمثِّلُها. لم تستطع قلقلة، وهي حيّ فقير زوّد الحواجز بالعديد من الشبّان في أعلى فترات الانتفاضة، مواءمة درجة التنظيم والنفوذ الاجتماعي للطبقة الوسطى في حيّ الرياض، والذي شكّل لجانه في المقاومة عبر حملة على تويتر وتفاخر بوزير أو وزيرين في الحكومة الانتقالية. ٧٨ خرج دور الطبقة في تشكيل سياسات لجان المقاومة أكثر قوة في الأزمة التي قبضت على الحركة الجماهيرية بعد مجزرة المتظاهرين في 3 يونيو/حزيران على يد الجيش والميليشيات الذين أزالوا الاعتصام خارج المقرّات الرئيسية للجيش السوداني وألقوا جثث الذين قاوموا في النيل. وخشية أن تكون “قِوى الحرية والتغيير”، وهي مجموعات التحالف المعارِض الذي يقود الانتفاضة، على وشك التنازل أو التفاوض على اتفاق يمكن أن يتراجع عن المطالب الأصلية للجان المقاومة بحكومة مدنية بالكامل، نظّمت هذه اللجان مسيرات حاشدة وطالبت بأن يأتي قادة “قِوى الحرية والتغيير”، وبالذات تجمّع المهنيين السودانيين، ويوضحوا ما قاموا به.
كان من الصعب إقناع “أسود البراري”، وهم أبطال مظاهرة الخرطوم المركزية، وهم يصرخون عالياً متحدثاً بعد الآخر. وحده نجم تجمّع المهنيين السودانيين والقادر على التواصل، محمد ناجي الأصم، استطاع إدارة خيبة أملهم من التنازل الذي كانت “قِوى الحرية والتغيير” وحلفاؤها على وشك القيام به مع المؤسسة. لم يظهر أحد لتهدئة غضب قلقلة.٧٩
استمر الاستقطاب السياسي المرئي بين الأحياء الفقيرة وأحياء الطبقة العاملة ومناطق الطبقة الوسطى يزداد حدّة منذ تشكيل الحكومة الانتقالية. عاد أبطال قلقة الثوريون إلى الحواجز في نوفمبر/تشرين الثاني مطالبين هذه المرة بإقالة المسؤول الإداري المحلي وبالانخراط في لجان المقاومة لإعادة تشكيل حكومة محلية. وقد انخرطت لجان المقاومة أيضاً في التعبئة ضد محاولات تبرئة “قوات الدعم السريع” التابعة لحميدتي من دورها في مجزرة 3 يونيو/حزيران، مع إعلان أفراد من اللجان أو اللجان المتحالفة استقلالها عن “قِوى الحرية والتغيير”.٨٠ وكانت استجابة الحكومة الانتقالية المناصرة العلنية للخيار المشترك محوِّلَة بشكل أساسي لجان المقاومة إلى معادلٍ للجان الشعبية القديمة، والتي تمّ تعيينها بالاستشارة مع “قِوى الحرية والتغيير” وبمصادقة من الإدارة المحلية محرومةً من الانتداب الشعبي والاستقلال السياسي.٨١
إن الجزولي محقٌّ في التحدّث علناً عن كلٍّ من الوعد المتجسِّد في لجان المقاومة وتحديات إدراك إمكانياتها التحريرية. ترتبط بعض هذه التحديات بمشاكل ذاتية تواجه الحركة الثورية الشعبية في السودان، مثل ضعف القِوى السياسية المستقلة عن “قِوى الحرية والتغيير” المهيّأة لتنظيم المرحلة الثانية من العملية الثورية والجولة الثانية من المواجهة مع الدولة. ولكن بعض المشاكل موضوعية متجذِّرة في شخصية لجان المقاومة كهيئات مواطنين متمرّدين يمثّلون موقعاً جغرافياً معيناً. إذا تفاعلت اللجان مع بعضها البعض كأحياء ومناطق، فستبقى حينها سلطتهم مقيَّدة بالطبقة بالمعنى الاجتماعي بدل الاستراتيجي. مع أنها قد تقلب التسلسل الهرمي بشكل مؤقّت إلى حدّ ما في أحياء معيّنة، فتعطي المضطهدين والمظلومين صوتاً سياسياً وأشكالاً محدودة من السلطة الاجتماعية، إلا أن هناك حدوداً حادّة لما يمكن أن ينجزه أفراد اللجان عندما يحاولون المساومة مع الدولة المركزية. إن إعادة توزيع الثروة والسلطة في الأحياء الفقيرة من خلال استبدال بعض المستبدِّين الصغار الذين اعتادوا على جعل حياة السكّان مزرية لن تحقق إلا القليل، ولكن تحتاج لجان قلقلة الثورية إلى حلفاء لتفعيل نوع التحوّلات في الثروة والسلطة التي من أجلها مات شبّانها عند الحواجز. بالطبع، يمكن بناء هذه التحالفات عبر التواصل الأفقي مع المناطق الأخرى الفقيرة والمهمّشة وتجميع تعبئتهم لتعطيل عمل الدولة وتأسيس سلسلة من الجمهوريات الثورية المصغَّرة في المواقع التي يخشى الميروتوقراط وميليشيات الحكومة الانتقالية أن تطأها.
هناك مشاكل متعددة في هذا النوع من النهج، ولكن الأكثر أساسية هو أيضاً السبب في أن لينين أفضل من بولانتزاس كموجّه في الاستراتيجية الثورية. وكما أشار كولين باركر في مراجعة لعمل بولانتزاس في 1978 “الدولة والسلطة والاشتراكية” إن كفاح الطبقة الفعلي لا يلعب دوراً في رؤيته لتغيير المجتمع. ٨٢ هكذا، في نسخة بولانتزاس عن “الاشتراكية الديمقراطية”، تتعايش المؤسسات البرلمانية والدرع الكامل للأحزاب البرجوازية مع “أشكال مباشرة من الديمقراطية والتكاثر السريع لهيئات الإدارة الذاتية”.٨٣ مع ذلك، يعارض بولانتزاس فكرة أن على مجالس العمّال (أو أية هيئات منظَّمَة على أساس مبادئ الديمقراطية المباشرة) أخذ السلطة، ويقترح بدلاً من ذلك أن تبقى خاضعة للديمقراطية التمثيلية للدولة المركزية.٨٤ إن عداء بولانتزاس لفكرة وجوب أن تكون الثورة فعلَ تحرير ذاتياً من قِبَل الطبقة العاملة يتناقض مع إصرار لينين على أن السوفيتات هي جنين “الدكتاتورية الثورية” التي “تتألّف من البروليتاريا والفلاحين (بزيّ الجنود). ٨٥
المشكلة في معارضة فكرة أخذ العمّال للسلطة هي أنه بدون الطبقة العاملة المنظَّمَة، لا تكفي الطاقات والبطولة الثورية للفقراء والمحرومين والأقسام المتطرّفة من الطبقة الوسطى لكسر تماسك أجهزة الدولة لوحدها. لهذا السبب السؤال الجوهري هو ما إذا كانت لدى لجان الثورة رابطة عضوية مع أماكن العمل وكذلك الأحياء أو أنها قادرة على تطويرها. حقيقة أن السوفيتات كانت هيئات من مندوبي العمّال، ولم تستمد سلطتها فقط من الاستيلاء الثوري على السلطة في المستوى المحلي من قِبَل الفقراء، يعطي الدليل عن سبب قدرتها على الخروج منتصرة من فترة “ازدواجية السلطة”.
إحداثيات سلطة الطبقة العاملة
واحدة من الاستنتاجات الرئيسية التي يمكننا استخلاصها من المشهد أعلاه عن العلاقة ما بين الدولة وسلطة الطبقة والثورة في السودان هي استحالة الفصل بين الأنظمة والدول بشكل دقيق ومنظّم. كما لا يمكن الفصل سواء بين الطبقة الحاكمة أو خصومها وبين النظام الرأسمالي المُنتِج لها. ولا يعني ذلك، على سبيل المثال، أن جميع الأفراد الأعضاء في الطبقة الحاكمة رأسماليون، أو أن مجمل الطبقة الرأسمالية تدين بولائها السياسي إلى الحكومات القائمة حالياً في السلطة (لا يجب أن يكون ذلك مفاجأة بما أن أحد ملامح الرأسمالية كنظام هو قدرة الطبقة الرأسمالية على تفويض المهام السياسية للحكم إلى الآخرين). مع ذلك، يُنتِج تتبّع تطوّر الطبقة الحاكمة خريطة مكثّفة للترابطات بين عمليات التحوّل في التراكم الرأسمالي عبر دوائر وشبكات إنتاجية وتجارية ومالية في السلطة السياسية والعسكرية. لا يتواجد الرجال الذين يشغلون مناصب من الثروة والتأثير في مثل هذه الأنظمة فقط لأنهم محتالون أكثر من البقية، أو لأن لديهم مسدسات أفضل من منافسيهم (مع أن هذين الأمرين مفيدان بلا شك). قد يعملون عند نقطة الالتقاء ما بين القطاع المالي والاقتصاد شبه العسكري، أو أنهم يرفعون قوة أدوار حكومتهم من أجل تحصيل أفضل الأرباح من بيع رُخَص الاتصالات أو مشاريع البناء (عادة يقومون بكل هذه الأشياء). ويتوسّطون بتكرار ما بين مصالح الدول ورؤوس الأموال الأقوى والأكثر افتراساً وبين صلتهم “الخاصة” بالدولة/رأس المال، ويسهّلون استخراج الموارد من “دولهم” باتجاه دول الخليج وأوروبا والولايات المتحدة الأميركية، ولكنهم يحتفظون بجزء من الأرباح لأنفسهم.
غرائز الحركة الشعبية من أسفل سليمة: “تخلّصوا منهم جميعاً!”. يجب أن تذهب كل “العصابات” في السلطة وإلا لن يتغير شيء. ولكن يبقى السؤال: أين هي القوة في المجتمع التي يمكنها إنجاز ذلك؟ لقد جادلت هذه المقالة بأن لدى الطبقة العاملة وحدها “الثقَل الاجتماعي لتحقيق إلغاء النظام القديم وبناء مجتمع جديد”.٨٦ إن قصة هال درابر الكلاسيكية عمّا يجعل العمّال “الطبقة المميزة” يعطي نظرة متعددة الأبعاد عن كيفية غرس الرأسمالية قِوى فريدة في الطبقة العاملة. ٨٧ وتتضمّن قوة أن تكون الغالبية العددية في المجتمعات الرأسمالية المتقدّمة، والقوة التي تنشأ من اعتماد الرأسمالية على العمّال لإنتاج البضائع وتوفير الخدمات التي تحافظ على تسيير المجتمع. بالإضافة إلى ذلك، تضغط الرأسمالية العمّال عبر التمدّن وفي أماكن العمل، بينما تضع العمّال في نفس الوقت في وضعية عداء جماعي ضد أرباب عملهم. في النهاية، ومن خلال رفع احتياجات وتطلّعات العمّال ثم الفشل في تحقيقها، تحمل الرأسمالية في ثناياها ميلاً لتوليد صراعات من الأسفل. ٨٨
تشكّل قوة الطبقة العاملة بالفعل مسار الثورة السودانية وتحدّدها، ولكن تجارب الموجة الثورية السابقة في المنطقة قبل عقدٍ من الزمن تقريباً تؤكّد على عدم كفاية هذا الأمر وحده من أجل تحويل ميزان القِوى بشكل حاسم لصالح تعميق العملية الثورية. ويتطلّب ذلك أيضاً العمل على إعادة بناء يسار ثوري في السودان وفي أماكن أخرى من خلال موجة الصراعات الحالية من أسفل. سوف يحتاج هذا اليسار إلى فهمٍ واضح لأشكال التنظيم وأنواع السياسات التي تعطينا أفضل فرصة لتحويل التمرّد إلى ثورة اجتماعية.
آنّ ألكسندر مؤلفة “عيش، حرية، عدالة اجتماعية: العمّال والثورة المصرية” بالاشتراك مع مصطفى بسيوني (زد،2014). وهي عضوة مؤسِّسة لـ“شبكة تضامن الشرق الأوسط وشمال إفريقيا“، ومحرّرة مشاركة في مجلة تضامن الشرق الأوسط، وعضوة في اتحاد الجامعة والكلية في بريطانيا.
ملاحظات
1 تمّ إنجاز معظم هذه المقالة قبل أن يتّضح حجم ونطاق وباء كوفيد-19، لذا لم تأخذ المقالة بعين الاعتبار تأثير الفيروس على العملية الثورية في السودان. شكراً لجوزيف كونارا على تعليقاته على المسوَّدة.
2 بيات،2017.
3 بيات، 2017، ص156.
4 بيات، 2017، ص11.
5 لينين، 1915.
6 بن سعيد، 1968.
7 لينين، 1915
8 كونارا، 2019
9 كونارا، 2019
10 هاردت ونيجري، 2001؛ ستاندينغ، 2017
11 درابر، 1978، ص47
12 درابر، 1978، ص40.
13 كونارا، 2020.
14 تروتسكي، 1913.
15 الجزولي، 2020أ.
16 قِوى إعلان الحرية والتغيير، 2019.
17 الجزيرة بالإنجليزي، 2020أ.
18 الجزيرة بالإنجليزي، 2019أ.
19 . الجزيرة بالإنجليزي، 2019ب.
20 رويترز، 2019أ.
21 الجزولي، 2019؛ ألكسندر، 2019.
22 راديو دبنقا، 2018.
23 ميديل إيست آي، 2019.
24 وكالة الأناضول، 2019.
25 الطريق، 2016.
26 أمين، 2019.
27 مدى مصر، 2019.
28 مدى مصر، 2019.
29 عصيان مدني في صفحة السودان على الفيسبوك، 2019.
30 راديو دبنقا، 2016أ.
31 انظر “ديباجة” على الموقع الإلكتروني لتجمع المهنيين السودانيين www.sudaneseprofessionals.org/en/about-us؛ الجزولي، 2019أ.
32 حُميدة، ودوسة، 2019.
33 سراج الدين، 2019.
34 سراج الدين، 2019.
35 شبكة تضامن الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، 2019.
36 توماس، 2017، ص18-19.
37 توماس، 2017، ص19.
38 توماس، 2017، ص10-11.
39 شوارتزتين، 2019.
40 انظر www.foodprocessing-technology.com/projects/white-nile؛ رويترز، 2010.
41 “مدينة الشركات” كومبانيز هاوس، 2020
42 الجزولي، 2020ب، ص3.
43 راديو دبنقا، 2016ب.
44 مجموعة الأزمات الدولية، 2011.
45 شوارتزتين وتشيكو، 2015؛ أمين، 2018.
46 مايكلسون، 2020.
47 رويترز، 2019ب؛ الشاهد العالمي، 2019.
48 الشاهد العالمي، 2019؛ السودان في الأخبار، 2019.
49 برنديرغاست، 2013.
50 كيرك باتريك، 2018.
51 بيرك وصالح، 2019.
52 ماكغريغور، 2019؛ السودان في الأخبار، 2019.
53 الشاهد العالمي، 2019.
54 راديو دبنقا، 2019أ.
55 راديو دبنقا، 2019أ.
56 راديو دبنقا، 2020أ.
57 راديو دبنقا، 2020ب.
58 راديو دبنقا، 2020ب.
59 صندوق النقد الدولي، 2019؛ راديو دبنقا، 2020ج.
60 راديو دبنقا، 2020د.
61 أمين، 2020أ.
62 راديو دبنقا، 2019ب.
63 رويترز، 2020.
64 راديو دبنقا، 2020ه.
65 مراقبة حقوق الإنسان، 2019.
66 الجزولي، 2020ج.
67 أمين، 2020ب؛ وكالة الأنباء الفرنسية (أ ف ب)، 2020.
68 الجزولي، 2020د.
69 . مونوديرو، 2019؛ الجزولي، 2020د.
70 لينين، 1917أ.
71 الجزولي، 2020د.
72 بيريدج، 2016.
73 الجزولي، 2020أ.
74 ديفيدسون، 2009.
75 لينين، 1917ب.
76 الجزولي، 2020و، ص2.
77 الجزولي، 2020و، ص2.
78 الجزولي، 2020أ.
79 الجزولي، 2020و.
80 الجزولي، 2020و، ص4-5.
81 الجزولي، 2020و، ص6.
82 باركر، 1979.
83 بولانتزاس، 1978، ص256.
84 باركر، 1979.
85 لينين، 1917أ.
86 درابر، 1978، ص46.
87 كونارا، 2019.
88 أنظر كونارا، 2019 لقراءة الملخّص.
المراجع
وكالة الأنباء الفرنسية (فرانس برس أ ف ب) 2020، “شباب سوداني يعود بعد فضيحة التوظيف في الإمارات العربية المتحدة”، دايلي صباح، www.dailysabah.com/africa/2020/02/04/young-sudanese-return-after-uae-recruitment-scandal
AFP, 2020, “Young Sudanese Return after UAE Recruitment Scandal”, Daily Sabah, www.dailysabah.com/africa/2020/02/04/young-sudanese-return-after-uae-recruitment-scandal
ألكسندر، آنّ، 2019، “الحياة على توقيت الثورة: استيعاب ديناميكيات الانتفاضات في السودان والجزائر”، الاشتراكية الدولية، العدد 163 (إصدار الصيف)، http://isj.org.uk/living-on-revolution-time
Alexander, Anne, 2019, “Living on Revolution Time: Understanding the Dynamics of the Uprisings in Sudan and Algeria”, International Socialism 163 (summer), http://isj.org.uk/living-on-revolution-time
الجزيرة بالإنجليزي، 2019أ، “قادة الاحتجاج والجيش في السودان يوقّعون اتفاق الحكومة الانتقالية” (17 أغسطس/آب)، www.aljazeera.com/news/2019/08/sudan-protest-leaders-military-sign-transitional-government-deal-190817122225172.html
Al Jazeera English, 2019a, “Sudan Protest Leaders, Military Sign Transitional Government Deal” (17 August), www.aljazeera.com/news/2019/08/sudan-protest-leaders-military-sign-transitional-government-deal-190817122225172.html
الجزيرة بالإنجليزي، 2019ب، “ما الذي يقوله الإعلان الدستوري في السودان؟” (4 أغسطس/آب)، www.aljazeera.com/news/2019/08/sudan-constitutional-declaration-190804182241137.html
Al Jazeera English, 2019b, “What Does Sudan’s Constitutional Declaration Say?” (4 August), www.aljazeera.com/news/2019/08/sudan-constitutional-declaration-190804182241137.html
الجزيرة بالإنجليزي، 2020، “منظمات حقوق الإنسان: قمع يونيو في السودان قد يكون أدّى إلى مقتل 241 شخصاً” (6 مارس/آذار)، www.aljazeera.com/news/2020/03/sudan-june-crackdown-killed-241-people-rights-group-200305115418120.html
Al Jazeera English, 2020, “Sudan’s June Crackdown May Have Killed 241 People: Rights Group” (6 March), www.aljazeera.com/news/2020/03/sudan-june-crackdown-killed-241-people-rights-group-200305115418120.html
الطريق، 2016، “الإعلان عن نقابة بديلة لعمال بناء بورتسودان” (7 نوفمبر/تشرين الثاني)، www.altareeq.info/ar/advertising-alternative-union-for-workers-in-port-sudan
Al-Tareeq, 2016, “An niqabat badila l’ummal mina burtsudan” (7 November), www.altareeq.info/ar/advertising-alternative-union-for-workers-in-port-sudan
أمين، محمد، 2018، “دم وذهب: حرب الأراضي السودانية تمتدّ الآن إلى التعدين”، ميديل إيست آي (24 مايو/أيار)، https://tinyurl.com/v6hynb5
Amin, Mohammed, 2018, “Blood and Gold: Now Sudan’s Land Wars Have Spread to Mining”, Middle East Eye (24 May), https://tinyurl.com/v6hynb5
أمين، محمد، 2019، “إضرابات وتظاهرات ومجزرة: الميناء في العاصفة السودانية”، ميديل إيست آي، (6 فبراير/شباط)، www.middleeasteye.net/news/strikes-protests-and-massacre-port-sudanese-storm
Amin, Mohammed, 2019, “Strikes, Protests and a Massacre: The Port in the Sudanese Storm”, Middle East Eye (6 February), www.middleeasteye.net/news/strikes-protests-and-massacre-port-sudanese-storm
أمين، محمد، 2020أ، “صرخات للرقابة في السودان بينما تقفل قنوات الإعلام المرتبطة بالنظام القديم”، ميديل إيست آي، (20 يناير/كانون الثاني)، https://www.middleeasteye.net/news/fears-over-freedom-speech-sudan-following-closure-several-media-outlets
Amin, Mohammed, 2020a, “Cries of Censorship in Sudan as Media Outlets Linked to Old Regime Closed”, Middle East Eye (20 January), https://www.middleeasteye.net/news/fears-over-freedom-speech-sudan-following-closure-several-media-outlets
أمين، محمد، 2020ب، “شباب سودانيون يتّهمون شركة أمن إماراتية بخِداعهم لحماية حقول نفط ليبية”، ميديل إيست آي، (1 فبراير/شباط)، https://tinyurl.com/vf9wdk6
Amin, Mohammed, 2020b, “Sudanese Youths Accuse UAE Security Firm of Duping Them into Protecting Libyan Oil Fields”, Middle East Eye (1 February), https://tinyurl.com/vf9wdk6
وكالة الأناضول، 2019، “رئيس وزراء السودان يقيل مسؤولين في المرفأ وسط إضراب العمال”، وكالة الأناضول (25 فبراير/شباط)، www.aa.com.tr/en/africa/sudan-s-pm-sacks-port-official-amid-workers-strike/1402691
Anadolu Agency, 2019, “Sudan’s PM Sacks Port Official amid Workers’ Strike”, Anadolu Agency (25 February), www.aa.com.tr/en/africa/sudan-s-pm-sacks-port-official-amid-workers-strike/1402691
باركر، كولين، 1979، “منهج إصلاحي “جديد”؟ نقد لنظرية نيكوس بولانتزاس السياسية”، الاشتراكية الدولية العدد 4، (إصدار الربيع)، www.isj.org.uk/?id=294
Barker, Colin, 1979, “A ‘New’ Reformism? A Critique of the Political Theory of Nicos Poulantzas”, International Socialism 4 (spring), www.isj.org.uk/?id=294
بيات، آصف، 2017، ثورة بلا ثوريين: مسعى فهم الربيع العربي (مطبعة جامعة ستانفورد).
Bayat, Asef, 2017, Revolution Without Revolutionaries: Making Sense of the Arab Spring (Stanford University Press).
بن سعيد، دانيال، 1968، “مفهوم الأزمة الثورية في لينين”، مجلة فيو بوينت (5 سبتمبر/أيلول)، www.viewpointmag.com/2014/09/05/the-notion-of-the-revolutionary-crisis-in-lenin-1968
Bensaïd, Daniel, 1968, “The Notion of the Revolutionary Crisis in Lenin”, Viewpoint Magazine (5 September), www.viewpointmag.com/2014/09/05/the-notion-of-the-revolutionary-crisis-in-lenin-1968
بيريدج، دبليو جي، انتفاضات مدنية في السودان الحديث: “ربيع الخرطوم” في 1964 و1985 (دار نشر بلومزبري)
Berridge, W J, 2016, Civil Uprisings in Modern Sudan: The “Khartoum Springs” of 1964 and 1985 (Bloomsbury Publishing).
جيسون بيرك وزينب محمد صالح، 2019، “المحاكمة تكشف: حاكم السودان السابق قال إنه تلقّى الملايين من السعوديين”، الغارديان (19 أغسطس/آب)، https://tinyurl.com/ub2yg2w
Burke, Jason, and Zeinab Mohammed Salih, 2019, “Ex-Sudan Leader Said He Received Millions from Saudis, Trial Told”, Guardian (19 August), https://tinyurl.com/ub2yg2w
كونارا، جوزيف، 2019، “الطبقة وتراث الماركسية الكلاسيكية” في مايك ويين وديردري أونيل، تأمّل الطبقة: النظرية، الثقافة، والإعلام في القرن الحادي والعشرين (دار بريل).
Choonara, Joseph, 2019, “Class and the Classical Marxist Tradition”, in Mike Wayne and Deirdre O’Neill, Considering Class: Theory, Culture and Media in the 21st Century (Brill).
كونارا، جوزيف، 2020، “دورة جديدة من الثورة”، “، الاشتراكية الدولية، العدد 165 (إصدار الشتاء)، http://isj.org.uk/a-new-cycle-of-revolt
Choonara, Joseph, 2020, “A New Cycle of Revolt”, International Socialism 165(winter), http://isj.org.uk/a-new-cycle-of-revolt
عصيان مدني في صفحة السودان على الفيسبوك، 2019، “انتصار تاريخي للعاملين بشركة سكر كنانة” (11 مايو/أيار)، www.facebook.com/CivildisobedienceinSudan/posts/324457271569382
Civil Disobedience in Sudan Facebook page, 2019 “Initsar tarikhi lil ammilin bisharikat sukkar kenana” (11 May), www.facebook.com/CivildisobedienceinSudan/posts/324457271569382
كومبانيز هاوس، 2020، “شركة سكر كنانة المحدودة – مسؤولون”، https://beta.companieshouse.gov.uk/company/FC018990/officers
Companies House, 2020, “Kenana Sugar Company Limited—Officers”, https://beta.companieshouse.gov.uk/company/FC018990/officers
نيل، دافيدسون، 2009، “والتر بينجامين وتراث الماركسية الكلاسيكية”، الاشتراكية الدولية، العدد 121 (إصدار الشتاء)، www.marxists.org/history/etol/writers/davidson/2009/xx/benjamin.html
Davidson, Neil, 2009, “Walter Benjamin and the Classical Marxist Tradition”, International Socialism 121 (winter), www.marxists.org/history/etol/writers/davidson/2009/xx/benjamin.html
درابر، هال، 1978، نظرية ماركس عن الثورة الثانية: سياسات الطبقات الاجتماعية (مطبعة مانثلي ريفيو).
Draper, Hal, 1978, Karl Marx’s Theory of Revolution II: The Politics of Social Classes (Monthly Review Press).
الجزولي، مجدي، 2019، “سقوط البشير: رسم خارطة القوى المتنازعة في السودان”، مبادرة الإصلاح العربي (12 إبريل/نيسان)، www.arab-reform.net/publication/the-fall-of-al-bashir-mapping-contestation-forces-in-sudan
El Gizouli, Magdi, 2019, “The Fall of El Bashir: Mapping Contestation Forces in Sudan”, Arab Reform Initiative (12 April), www.arab-reform.net/publication/the-fall-of-al-bashir-mapping-contestation-forces-in-sudan
الجزولي، مجدي، 2020أ، “وجهاز الدولة: هل من حلّ وسط؟”، ستيل سودان (25 فبراير/شباط)، https://stillsudan.blogspot.com/2020/02/blog-post_25.html
El Gizouli, Magdi, 2020a, “Wa jihaz al-dawla: hal man hal wasat?”, StillSUDAN (25 February), https://stillsudan.blogspot.com/2020/02/blog-post_25.html
الجزولي، مجدي، 2020ب، “التعبئة والمقاومة في انتفاضة السودان”، أوراق إحاطة من معهد وادي الأخدود العظيم “ريفت فاليه” (يناير/كانون الثاني)، https://tinyurl.com/wvme8a9
El Gizouli, Magdi, 2020b, “Mobilization and Resistance in Sudan’s Uprising”, Rift Valley Institute Briefing Papers (January), https://tinyurl.com/wvme8a9
الجزولي، مجدي، 2020ج، “تبريج ديكتاتور: البرهان يزور نتانياهو”، ستيل سودان (13 فبراير/شباط)، https://stillsudan.blogspot.com/2020/02/grooming-dictator-al-burhan-calls-on.html
El Gizouli, Magdi, 2020c, “Grooming a Dictator: Al-Burhan Calls on Netanyahu”, StillSUDAN (13 February), https://stillsudan.blogspot.com/2020/02/grooming-dictator-al-burhan-calls-on.html
الجزولي، مجدي، 2020د، “وجهاز الدولة: حماقة الرفيق خميس”، ستيل سودان (2 فبراير/شباط)، https://stillsudan.blogspot.com/2020/02/blog-post.html
El Gizouli, Magdi, 2020d, “Wa jihaz al-dawla: hamaqat al-rafiq khamis”, StillSUDAN (2 February), https://stillsudan.blogspot.com/2020/02/blog-post.html
قوات إعلان الحرية والتغيير، 2019، ” إعلان الحرية والتغيير”، تجمع المهنيين السودانيين، www.sudaneseprofessionals.org/en/declaration-of-freedom-and-change
Forces of the Declaration and Freedom and Change, 2019, “Declaration of Freedom and Change”, Sudanese Professionals Association, www.sudaneseprofessionals.org/en/declaration-of-freedom-and-change
الشاهد العالمي، 2019، “فضح الشبكة المالية وراء قوات الدعم السريع التابعة لحميدتي في السودان” (9 ديسمبر/كانون الأول)، www.globalwitness.org/en/campaigns/conflict-minerals/exposing-rsfs-secret-financial-network
Global Witness, 2019, “Exposing the Financial Network Behind Hemedti’s RSF in Sudan” (9 December), www.globalwitness.org/en/campaigns/conflict-minerals/exposing-rsfs-secret-financial-network
هاردت، مايكل، وأنطونيو نيجري، 2001، إمبراطورية (مطبعة جامعة هارفرد).
Hardt, Michael, and Antonio Negri, 2001, Empire (Harvard University Press).
مراقبة حقوق الإنسان، هيومين رايتز واتش، 2019، “في السودان، قمع التظاهرات بـ “اسم آخر”، www.hrw.org/news/2019/06/26/sudan-repression-protests-another-name
Human Rights Watch, 2019, “In Sudan, Repression of Protests by Another Name”, www.hrw.org/news/2019/06/26/sudan-repression-protests-another-name
حُميدة، عبد الرازق س، وخالد م دوسة، 2019، “أطباء السودان يعالجون الأمراض السياسية للأمة”، https://africasacountry.com/2019/03/sudans-doctors-and-treating-the-political-ailments-of-the-nation
Hummaida, Abdelrazig S, and Khalid M Dousa, 2019, “Sudan’s Doctors Treating the Political Ailments of the Nation”, https://africasacountry.com/2019/03/sudans-doctors-and-treating-the-political-ailments-of-the-nation
مجموعة الأزمات الدولية، 2011، “بينما تنقسم السودان إلى اثنين، أكثر من النفط سيوقد الاقتصاديات” (8 يوليو/تموز)، www.crisisgroup.org/africa/horn-africa/sudan/sudan-breaks-two-more-oil-will-fuel-economies
International Crisis Group, 2011, “As Sudan Breaks in Two, More than Oil Will Fuel Economies” (8 July), www.crisisgroup.org/africa/horn-africa/sudan/sudan-breaks-two-more-oil-will-fuel-economies
صندوق النقد الدولي، 2019، “فريق صندوق النقد الدولي يُكمل مهمة المادة الرابعة للسودان”، www.imf.org/en/News/Articles/2019/12/23/pr19489-sudan-imf-staff-completes-2019-article-iv-mission
International Monetary Fund, 2019, “IMF Staff Completes 2019 Article IV Mission to Sudan”, www.imf.org/en/News/Articles/2019/12/23/pr19489-sudan-imf-staff-completes-2019-article-iv-mission
كيركباتريك، ديفيد د، 2018، “عند الخط الأمامي للحرب السعودية في اليمن: أطفال جنود من دارفور”، نيويورك تايمز (28 ديسمبر/كانون الأول)، www.nytimes.com/2018/12/28/world/africa/saudi-sudan-yemen-child-fighters.html
Kirkpatrick, David D, 2018, “On the Front Line of the Saudi War in Yemen: Child Soldiers From Darfur”, The New York Times (28 December), www.nytimes.com/2018/12/28/world/africa/saudi-sudan-yemen-child-fighters.html
لينين، المجلد 1، 1915، “انهيار الأممية الثانية”، www.marxists.org/archive/lenin/works/1915/csi/ii.htm
Lenin, V I, 1915, “The Collapse of the Second International”, www.marxists.org/archive/lenin/works/1915/csi/ii.htm
لينين، المجلد 1، 1917أ، “ازدواجية السلطة”، برافدا، (9 إبريل/نيسان)، www.marxists.org/archive/lenin/works/1917/apr/09.htm
Lenin, V I, 1917a, “The Dual Power”, Pravda (9 April), www.marxists.org/archive/lenin/works/1917/apr/09.htm
لينين، المجلد 1، 1917ب، “خصوصية طبيعة ازدواجية السلطة ودلالة طبقتها”، www.marxists.org/archive/lenin/works/1917/tasks/ch03.htm
Lenin, V I, 1917b, “The Peculiar Nature of the Dual Power and its Class Significance”, www.marxists.org/archive/lenin/works/1917/tasks/ch03.htm
مدى مصر، 2019، “السودان في إضراب” (7 مارس/آذار)، https://tinyurl.com/spf7wwj
Mada Masr, 2019, “Al-Sudan fil idrab” (7 March), https://tinyurl.com/spf7wwj
أندرو، ماكغريغور، 2019، “جيش للبيع: قوات الدعم السريع في السودان والمعركة من أجل ليبيا”، ابيرفويل سكيوريتي، (6 أغسطس/آب) www.aberfoylesecurity.com
McGregor, Andrew, 2019, “Army for Sale: Sudan’s Rapid Support Forces and the Battle for Libya” (August 6), Aberfoyle Security, www.aberfoylesecurity.com/?p=4487
شبكة تضامن الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، 2019، “إضراب السودان العام يُرسِل رسالة إلى الجنرال حميدتي: نريد قانوناً مدنياً الآن” (28 مايو/أيار)، https://menasolidaritynetwork.com/2019/05/28/sudans-general-strike-sends-a-message-to-general-hemeti-we-want-civilian-rule-now
MENA Solidarity Network, 2019, “Sudan’s General Strike Sends a Message to General Hemeti: ‘We Want Civilian Rule Now’” (28 May), https://menasolidaritynetwork.com/2019/05/28/sudans-general-strike-sends-a-message-to-general-hemeti-we-want-civilian-rule-now
روث، مايكلسون، 2020، “الميليشيا تكتشف الذهب وتنجح وتُلقي بظلالها على آمال السودان بالازدهار”، الغارديان (10 فبراير/شباط)، https://tinyurl.com/wy66fbn
Michaelson, Ruth, 2020, “Militia Strike Gold to Cast a Shadow over Sudan’s Hopes of Prosperity”, Guardian (10 February), https://tinyurl.com/wy66fbn
ميديل إيست آي، 2019، “العمّال السودانيون يواصلون الإضراب بسبب اتفاق خصخصة بورتسودان” (18 فبراير/شباط)، www.middleeasteye.net/news/sudanese-workers-go-strike-over-port-sudan-privatisation-deal
Middle East Eye, 2019, “Sudanese Workers Go on Strike over Port Sudan Privatisation Deal” (18 February), www.middleeasteye.net/news/sudanese-workers-go-strike-over-port-sudan-privatisation-deal
مونوديرو، خوان كارلوس، 2019، “قنّاصون في المطبخ”، نيو لافت ريفيو 2/120 (نوفمبر/تشرين الثاني-ديسمبر/كانون الأول)، https://newleftreview.org/issues/II120/articles/snipers-in-the-kitchen
Monedero, Juan Carlos, 2019, “Snipers in the Kitchen”, New Left Review II/120(November–December), https://newleftreview.org/issues/II120/articles/snipers-in-the-kitchen
بولانتزاس، نيكوس، 1978، الدولة والسلطة والاشتراكية (نيو ليفت بوكس).
Poulantzas, Nicos, 1978, State, Power, Socialism (New Left Books).
برينديرغاست، جون، “اقتصاديات التطهير العرقي في دارفور”، مشروع كفاية (8 أغسطس/آب)، www.enoughproject.org/reports/economics-ethnic-cleansing-darfur
Prendergast, John, 2013, “The Economics of Ethnic Cleansing in Darfur”, The Enough Project (8 August), www.enoughproject.org/reports/economics-ethnic-cleansing-darfur
راديو دبنقا، 2016أ، “السودان: إضراب أطباء في 65 مستشفى سودانية الآن” (9 أكتوبر/تشرين أول)، http://allafrica.com/stories/201610090021.html
Radio Dabanga, 2016a, “Sudan: Doctors At 65 Sudanese Hospitals Now On Strike” (9 October), http://allafrica.com/stories/201610090021.html
راديو دبنقا، 2016ب، “افتتاح مجمع مطاحن للغلال جديد في عاصمة السودان” (24 يناير/كانون الثاني)، www.dabangasudan.org/en/all-news/article/new-flour-mill-complex-inaugurated-in-sudan-s-capital
Radio Dabanga, 2016b, “New Flour Mill Complex Inaugurated in Sudan’s Capital” (24 January), www.dabangasudan.org/en/all-news/article/new-flour-mill-complex-inaugurated-in-sudan-s-capital
راديو دبنقا، 2018، “إضراب أكثر من 20 ألف عامل شحن يشلّ بورتسودان” (2 مايو/أيار)، www.dabangasudan.org/en/all-news/article/strike-by-20-000-cargo-workers-paralyses-port-sudan
Radio Dabanga, 2018, “Strike by 20,000+ Cargo Workers Paralyses Port Sudan” (2 May), www.dabangasudan.org/en/all-news/article/strike-by-20-000-cargo-workers-paralyses-port-sudan
راديو دبنقا، 2019أ، “حميدتي “جاهز لتسليم مناجم الذهب في جبل عامر إلى حكومة السودان” (16 ديسمبر/كانون الأول)، https://tinyurl.com/tj9xo3a
Radio Dabanga, 2019a, “Hemeti ‘Set to Hand Jebel Amer Gold Mines to Sudan Govt’” (16 December), https://tinyurl.com/tj9xo3a
راديو دبنقا، 2019ب، “مجلس السودان العسكري “يُقاعد” 98 مسؤولاً كبيراً في جهاز الأمن والمخابرات الوطني” (يونيو/حزيران)، www.dabangasudan.org/en/all-news/article/sudan-junta-retires-98-senior-niss-officers
Radio Dabanga, 2019b, “Sudan Junta ‘Retires’ 98 Senior NISS Officers” (June 11), www.dabangasudan.org/en/all-news/article/sudan-junta-retires-98-senior-niss-officers
راديو دبنقا، 2020أ، “الجنيه السوداني يُسجّل أدنى مستوياته أمام العملات العالمية” (27 فبراير/شباط)، www.dabangasudan.org/en/all-news/article/sudanese-pound-hits-record-lows-against-hard-currencies
Radio Dabanga, 2020a, “Sudanese Pound Hits Record Lows against World Currencies” (27 February), www.dabangasudan.org/en/all-news/article/sudanese-pound-hits-record-lows-against-hard-currencies
راديو دبنقا، 2020ب، “نقص الوقود والخبز يسبّب اضطرابات في السودان” (10 فبراير/شباط)، www.dabangasudan.org/en/all-news/article/fuel-and-bread-shortages-cause-disruptions-and-long-queues
Radio Dabanga, 2020b, “Fuel and Bread Shortages Cause Disruptions in Sudan” (10 February), www.dabangasudan.org/en/all-news/article/fuel-and-bread-shortages-cause-disruptions-and-long-queues
راديو دبنقا، 2020ج، “خبير اقتصادي: رفع الدعم وتعويم سعر صرف الدولار في السودان” (26 فبراير/شباط)، www.dabangasudan.org/en/all-news/article/economic-expert-lift-subsidies-normalise-dollar-rate-in-sudan
Radio Dabanga, 2020c, “Economic Expert: Lift Subsidies, Normalise Dollar Rate in Sudan”(26 February), www.dabangasudan.org/en/all-news/article/economic-expert-lift-subsidies-normalise-dollar-rate-in-sudan
راديو دبنقا، 2020د، “بنك السودان المركزي يأمر بتجميد حسابات 47 قائداً في نظام البشير” (14 فبراير/شباط)، www.dabangasudan.org/en/all-news/article/central-bank-of-sudan-orders-47-al-bashir-regime-leaders-accounts-frozenRadio Dabanga, 2020d, “Central Bank of Sudan Orders 47
Al Bashir Regime Leaders’ Accounts Frozen” (14 February), www.dabangasudan.org/en/all-news/article/central-bank-of-sudan-orders-47-al-bashir-regime-leaders-accounts-frozen
راديو دبنقا، 2020ه، “عنف الشرطة في مظاهرات السودان” (21 فبراير/شباط)، www.dabangasudan.org/en/all-news/article/police-violence-at-sudan-demonstrations
Radio Dabanga, 2020e, “Police Violence at Sudan Demonstrations” (21 February), www.dabangasudan.org/en/all-news/article/police-violence-at-sudan-demonstrations
رويترز، 2010، “النيل الأبيض سيفتتح معمل سكر في السودان في 2011 (26 يوليو/تموز)، www.reuters.com/article/ozabs-sudan-sugar-factory-20100726-idAFJOE66P01L20100726
Reuters, 2010, “White Nile to Open Sudan Sugar Factory in 2011” (26 July), www.reuters.com/article/ozabs-sudan-sugar-factory-20100726-idAFJOE66P01L20100726
رويترز، 2019أ، “السودان يشكّل مجلس سيادة من 11 عضواً برئاسة قائد عسكري” (20 أغسطس/آب)، https://uk.reuters.com/article/uk-sudan-politics/sudan-forms-11-member-sovereign-council-headed-by-military-leader-idUKKCN1VA26F
Reuters, 2019a, “Sudan Forms Eleven Member Sovereign Council, Headed by Military Leader” (20 August), https://uk.reuters.com/article/uk-sudan-politics/sudan-forms-11-member-sovereign-council-headed-by-military-leader-idUKKCN1VA26F
رويترز، 2019ب، “حصري: قائد ميليشيا سوداني يزداد غنىً من بيع الذهب” (26 نوفمبر/تشرين الثاني)، https://uk.reuters.com/article/uk-sudan-gold-exclusive-idUKKBN1Y01E0
Reuters, 2019b, “Exclusive: Sudan Militia Leader Grew Rich by Selling Gold” (26 November), https://uk.reuters.com/article/uk-sudan-gold-exclusive-idUKKBN1Y01E0
رويترز، 2020، “السودان يقمع عصيان رجال سابقين في خدمة التجسس بعد تصادمات” (15 يناير/كانون الثاني)، www.reuters.com/article/us-sudan-security-idUSKBN1ZD19F
Reuters, 2020, “Sudan Quells Revolt of Former Spy Service Men after Clashes” (15 January), www.reuters.com/article/us-sudan-security-idUSKBN1ZD19F
شوارتزتين، بيتر، وليلاند تشيكو، 2015، “سباق حُمّى الذهب الجديد في السودان: عمّال المناجم يخاطرون بحياتهم بحثاً عن الثروات”، الغرديان (27 ديسمبر/كانون الأول)، www.theguardian.com/world/2015/dec/27/sudan-gold-rush-artisanal-miners
Schwartzstein, Peter, and Leyland Cecco, 2015, “Sudan’s New Gold Rush: Miners Risk Their Lives in Search of Riches”, Guardian (27 December), www.theguardian.com/world/2015/dec/27/sudan-gold-rush-artisanal-miners
شوارتزتين، بيتر، 2019، “إحدى أخصب أراضي إفريقيا تعاني لإطعام شعبها”، بلومبيرغ (2 إبريل/نيسان)، www.bloomberg.com/features/2019-sudan-nile-land-farming
Schwartzstein, Peter, 2019, “One of Africa’s Most Fertile Lands Is Struggling to Feed Its Own People”, Bloomberg (2 April), www.bloomberg.com/features/2019-sudan-nile-land-farming
سراج الدين، إسراء، 2019، “قاعدة بيانات الفعّاليات الاحتجاجية في السودان خلال 3 أشهر”، بوّابة الاشتراكي Revsoc.me.
Sirag-al-Din, Isra’a, 2019, “Qa’idat bayanat al-fa’iliyyat al-ihtigagiyya fil Sudan khilal 3 ashur”, Revsoc.me.
ستاندينغ، غاي، 2017، البريكاريا: الطبقة الخطيرة الجديدة (بلومزبيري الأكاديمية).
Standing, Guy, 2017, The Precariat: The New Dangerous Class (Bloomsbury Academic).
السودان في الأخبار، 2019، “قوات الدعم السريع: ملف شامل” (29 أكتوبر/تشرين أول)، www.sudaninthenews.com/the-rapid-support-forces-a-comprehensive-profile
Sudan in the News, 2019, “The Rapid Support Forces: A Comprehensive Profile” (29 October), www.sudaninthenews.com/the-rapid-support-forces-a-comprehensive-profile
توماس، إدوارد، 2017، “أنماط النمو وعدم المساواة في السودان، 1977-2017)، معهد جامعة درهام لدراسات الشرق الأوسط والدراسات الإسلامية، www.dur.ac.uk/sgia/imeis
Thomas, Edward, 2017, “Patterns of Growth and Inequality in Sudan, 1977-2017”, Durham University Institute for Middle East and Islamic Studies, www.dur.ac.uk/sgia/imeis
تروتسكي، ليون، 1931″ “الثورة الدائمة (مقدمة للطبعة الروسية)”، في الثورة الدائمة، https://tinyurl.com/r2npe8r
Trotsky, Leon, 1931, “The Permanent Revolution (Introduction to the Russian Edition)”, in The Permanent Revolution, https://tinyurl.com/r2npe8r
This article originally appeared on March 28, 2020 in Issue 166 of International Socialism, a quarterly review of socialist theory.
Arabic translation has been provided by the Spring Socialist Network in loving memory of Sarah Hegazi. This translation is also available in PDF.
Did you like this article? Help us produce more like it by donating $1, $2, or $5. Donate